يخرج الزميل محمد بلوط، اليوم، من مستشفى «بيرسي العسكري» ويترك وراءه ذكريات ممزوجة بالمر والحلو. مرارة الإصابة والجروح ومقاربة الخطر والخوف، تلفها حلاوة وجود الأصدقاء الذين هبوا للاستفسار عن صحة الأخ أو الصديق أو الزميل، حسب كل متصل، وبينهم العديد من الأبعدين الذين شدّهم خبر إصابة صحافي لبناني عربي في أتون ثورة في بلد عربي انقلبت إلى حرب يغطي أحداثها لمنبر إعلامي شهير الـ«بي بي سي».
منذ الدقائق الأولى التي نقل فيها الزميل محمد إلى مستشفى ترهونة بعيد إصابته في بني وليد، هرع مسؤول من السفارة ليقف إلى جانبه، ومن أولى دقائق وصوله إلى مستشفى طرابلس الغرب حتى تركها إلى مالطا كان «سفيرٌ» بجوا رسريره على مدارالساعة يلاحق الأطباء ويراقب الممرضين وينظم عملية نقله الصحي، يرافقه من المستشفى إلى مدرج الطائرة في سيارة الإسعاف وبيده خط مفتوح في حوار مع السلطات الليبية الجديدة من جهة، والمتنفذين الأطلسيين من جهة أخرى لتأمين أفضل السبل لنقل مواطنه بأمان وفي أفضل الظروف.
ما أن حطت الطائرة في مطار «لوبورجيه» العسكري، حتى سمع محمد أحد المرافقين يطمئن «سفيراً» على وصوله بالسلامة. ما أن دخل إلى الغرفة ٣١٢ حتى رن الهاتف ليتكلم «سفيرٌ» مع ثلة الأطباء الذين اجتمعوا حول المصاب لإقرار توقيت عملية استئصال الرصاصة، فنقلوا له القرار:«غداً الساعة ١١ صباحاً». عند عودة محمد إلى غرفته، وبعدما ابتسم لأقارب وزملاء انتظروا على أحر من الجمر خروجه من «بلوك العمليات» كان «سفيرٌ» أول المتصلين للاطمئنان على نجاح العملية ونقل هذا الخبر إلى أركان سفارة تابعوا دقيقة بعد دقيقة مراحل تأمين مواطنهم.
أخبرنا هذا صديقنا محمد، وهو يستعد لولوج فترة نقاهة قبل العودة إلى العمل، إلا أن الذين يعرفون محمد بلوط أدركوا أن كلماته ونظراته وهو يروي «قصة سفير» تشوبها غمامة وكأنه يخفي أمراً ما.
بعد الاستفسار زال العجب: السفير الذي يذكره الزميل هو سفير فرنسا وليس سفير لبنان.
التفسير: سكرتيرة السفارة اللبنانية، بعد أيام على صدور بيانين لوزارة الخارجية الفرنسية وبرقية وكالة الأنباء الفرنسية، اتصلت هاتفياً لـ«تطلب من محمد بلوط أن يتصل بالسفير»، بالطبع السفير اللبناني يريد مواساة الإعلامي اللبناني الجريح… عندما يعاود هذا الأخير الاتصال به.