شباب “إخوان مصر” يتهيبون الخوض في السياسة
بعد صعود الاخوان المسلمين للسيطرة على البرلمان المصري بفضل الثورة التي اطاحت نظام مبارك، يتنازع الجماعة تياران بين الدين والسياسة، ودعوات من شبابها الى الانفتاح وتحديث صوتها من اجل بناء مصر جديدة.
في هذا السياق، نقلت صحيفة “لوس انجيليس تايمز” عن أسامة عبد الهادي، وهو أحد الشباب المتحمسين لأفكار الجماعة قوله “ما نحتاجه هو الوحدة وليس اجواء تكون فيها الأغلبية وجميع الآخرين ضدك”. واضاف عبد الهادي ان ذلك لا يخدم البلد ويضع ضغطا هائلا على الاخوان “وإذا سقط البلد سيكونون هم المسؤولين”.
وترى الصحيفة في تقريرها أن صعود الاخوان المسلمين يعكس نمطا من الاسلاميين الذين برزوا على الساحة السياسية وخاصة في تونس منذ انتفاضات الربيع العربي. ويعيد هذا الاتجاه تشكيل الشرق الأوسط ولكنه يكشف ايضا عن وجود توتر داخلي وارتكاب اخطاء سياسية وغياب رؤية تتجاوز المشاريع الاسلامية لمخاطبة المسيحيين والجماعات الأخرى غير المسلمة والليبراليين.
ولفتت الصحيفة الى أن هذه التحديات تتبدى في حملة مرشح الاخوان للانتخابات الرئاسية، محمد مرسي، الذي يدعو الى ادراج الشريعة الاسلامية في الدستور الجديد. إذ يتعين على مرسي لتأمين الفوز في انتخابات الشهر المقبل، ان يكسب السلفيين من دون ان يبعد عنه المعتدلين والليبراليين.
ويتساءل كثير من المصريين عما إذا كان بمقدور مرسي ان يقدم اسلاما سياسيا يحل مشاكل مصر الاقتصادية المعقدة. وحتى اسابيع قليلة كان أي مرشح اخواني يُعتبَر رئيس مصر القادم ولكن كثيرا تغير في هذه الأثناء، ويخشى البعض ان الجماعة تركز على الدين أكثر من تركيزها على السياسة العامة. فان مرسي يتقدم على المرشحين الآخرين ولكن الفارق يتقلص والمعركة تحتدم، لا سيما مع تزايد شعبية المرشح العلماني عمرو موسى امين عام الجامعة العربية ووزير الخارجية سابقا.
وقال اسامة عبد الهادي “ان لدى جماعة الأخوان اعداء لأنها ليست جامعة شاملة وهذا ليس وقت استبعاد الثوريين والناشطين”.
ويدور نقاش داخل الجماعة لفصل جناحها السياسي، حزب الحرية والعدالة، عن عملها الديني والاجتماعي. ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن الاخواني اشرف ابو زيد من القاهرة “ان وجودنا في البرلمان والنقابات استنزف الكثير من طاقتنا. فقبل الانتخابات كنا في الشارع وكانت كل جهودنا تتركز على العمل الاجتماعي والخدمات… وفجأة استحوذت السياسة على الكثير من قوتنا واعدادنا وتركيزنا”.
وكانت جماعة الاخوان المسلمين دخلت حلبة الاحتجاجات ضد مبارك متأخرة خشية ان تتعرض الى حملة جديدة من الملاحقات إذا باءت الثورة بالفشل. ولكن سعة جماهيريتها ومهاراتها التنظيمية سرعان ما ضمنت لها موقع الصدارة بين القوى السياسية. ورغم ذلك كان الانتقال من المعارضة الى اروقة السلطة متعثرا ومتناقضا. وتراجعت الجماعة عن وعود سابقة وبدت انتهازية سياسيا. فالجماعة لتبديد المخاوف من استئثارها بالسلطة تعهدت بعدم تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية ولكنها نكثت بالوعد وقدمت المليونير خيرت الشاطر. وحين استُبعد الشاطر تحولت الجماعة الى مرشحها الاحتياط مرسي زعيم حزب الحرية والعدالة.
وفي تقرير الصحيفة مقابلة مع ابو زيد وهو طبيب في الثالثة والخمسين من العمر قال ان تقديم مرشح “اثَّر في مصداقيتنا”. وكان ابو زيد ناشطا في الحركة الطلابية اواخر السبعينات عندما تمتع الاسلاميون بدرجة من الحرية في زمن الرئيس الراحل انور السادات. وانضم ابو زيد الى الاخوان المسلمين حين كان طالبا يدرس الطب عام 1982 ومنذ الثورة عرف متاهات السياسة المصرية وادرك ان فلول النظام السابق ما زالوا يمارسون سيطرة قوية على وسائل الاعلام، كما يرى ابو زيد مشيرا الى “حملة اعلامية قوية للتشهير بنا بعد تقديم مرشح رئاسي. وكانت هناك نحو 20 قناة تلفزيونية ضد الاخوان ولم نتمكن من الرد إلا بقناة واحدة وجريدة واحدة”.
وما زال على الاسلاميين ان يذللوا العقبة الأكبر في طريقهم وهي المجلس العسكري الحاكم. وتعاونت جماعة الاخوان المسلمين مع العسكر ممتنعة في بعض الأحيان عن استعراض عضلاتها في الشارع بمقاطعة الاحتجاجات المناوئة للمجلس العسكري. وأدى هذا الى انتقادات بأن الجماعة تريد تحقيق مطامحها السياسية على حساب الثورة.
ولكن سلطة البرلمان ما زالت ابعد من ان تضاهي سلطة العسكر. وتسبب هذا في توتير الأجواء عندما تحرك الاسلاميون لتوسيع سطوتهم في الدستور الجديد فرد العسكر بتحرك هدفه الحفاظ على سلطتهم.
وقال عبد الهادي ان الاخوان يريدون البقاء ولكنهم احتاجوا بعض الوقت لكي يدركوا ان عليهم ان يفرضوا قواعدهم إذا أرادوا ان تكون الغلبة لهم، “وهم تعلموا ذلك بعدما احرق العسكر يدهم فقرروا تقديم مرشحهم”.
ويواجه مرسي الذي يحمل شهادة دكتوراه بالهندسة منافسين اقوياء في مقدمتهم عمرو موسى وعبد المنعم ابو الفتوح الذي طُرد من جماعة الاخوان العام الماضي لترشحه على الضد من قرار الجماعة وبسبب نسخته التقدمية من الاسلام السياسي، على حد تعبير صحيفة لوس انجيليس تايمز متوقعة ان يكسب المرشحان اصوات المستائين من تكتيكات الاخوان الأخيرة، بما في ذلك محاولتها السيطرة على اللجنة التأسيسية لكتابة دستور جديد.
وكتب المحلل السياسي خليل عناني ان تخبطات جماعة الاخوان المسلمين كشفت حدود مهاراتها السياسية وان هذه الأخطاء “لم تشوه صورة الحركة فحسب بل الأهم من ذلك انها اضعفت موقعها في اللعبة مع منافسيها”.
ولكن عبد الهادي يعتقد ان جماعة الاخوان رغم انتكاساتها تمثل ارهاصات اسلام سياسي سينتصر في مصر وعموم المنطقة في نهاية المطاف. وقال عبد الهادي ان الاسلام هو هوية مصر “وعلى الغرب ألا يتصادم مع هذا المثل الأعلى لأن هذا الهدف سيتحقق. فهو يمثل هوية المصريين”.