كاميرون قد يدفع ثمن تحيّزه لساركوزي
اعتبرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن ثمة هلعاً يسود أروقة الحكومة البريطانية إثر فوز مرشح الاشتراكيين الفرنسيين بالرئاسة. وينبع هذا، بحسب الصحيفة، من حقيقة أن رئيس الوزراء البريطاني راهن بكل ما لديه على ولاية أخرى لنيكولا ساركوزي. فصار مصير تشابكات اقتصادية واتفاقات أمنية ودفاعية مهمة بين البلدين رهنا بردة فعل الرئيس الفرنسي الجديد.
ورأت أن فوز الاشتراكي فرانسوا اولاند سيضيف قدرا لا يستهان به الى متاعب رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كامرون بعد الخسائر الفادحة التي مُني بها حزبه في انتخابات المجالس البلدية ردا على السياسة الاقتصادية لحكومته المؤلفة من ائتلاف مع الليبراليين الديمقراطيين.
و«الخطأ» الذي ارتكبه كامرون، في ما يتعلق بفرنسا، هو أنه كان واثقا من فوز نيكولا ساركوزي الى حد أنه كسر صمت المحايد وانحاز اليه علنا في حملته الرئاسية الخاسرة ضد مرشح الاشتراكيين. ولم يكتف بذلك بل أنه رفض لقاء هولاند لدى زيارته لندن في فبراير/ شباط الماضي قائلا إن البروتوكول لا يجبره على استقبال زعماء المعارضة الأجانب.
ووفقا لـ«ديلي ميل» فسيتعين على الدبلوماسيين البريطانيين الآن، وقد تولى هولاند الرئاسة، الإسراع باتجاه إصلاح هذا الحال، على الأقل من أجل «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» من اتفاقات الدفاع والتعاون النووي المبرمة في الآونة الأخيرة بين البلدين.
أما في ما يتعلق بلقاء بين كامرون واولاند، فلا يتوقع المراقبون أن يتم الا خلال قمة مجموعة الثماني في كامب ديفيد الأميركية في 18 و19 من الشهر الحالي.
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد تبرع بأكثر من المطلوب منه في مؤتمر صحافي ببروكسيل في شباط/ فبراير الماضي عندما عبّر عن أمانيه «من القلب» في أن يُعاد انتخاب ساركوزي، ثم أكد الشيء نفسه لصحيفة فرنسية. وفي الشهر نفسه تجاهل زيارة هولاند لندن تاركا أمر الاحتفاء بها لزعيم المعاضة العمالية إد ميليباند.
ويبدو أن موقف كامرون بُني على توقعات السفير البريطاني السابق لدى باريس، السير بيتر ويستماكوت، الذي طمأنه قبل أعياد الميلاد الى أن عودة ساركوزي في حكم المؤكد. ولكن عندما بدأت الأمور تسوء بالنسبة للرئيس الفرنسي بفعل أزمة اليورو وحالة فرنسا الاقتصادية، أنبأه السفير الجديد السير بيتر ريكيتس بأن الاستطلاعات والأجواء الفرنسية عموما تبشّر بمجيء اولاند ونصحه بالكف عن مساندة ساركوزي علنا على الأقل. لكنه تجاهل ذلك بالكامل.
والآن وقد صار اولاند رئيسا، أوضحت الصحيفة أن كبار مسؤولي الخدمة المدنية البريطانيين بدأووا يلقون باللائمة على كامرون قائلين إنه «وضع كل البيض البريطاني في سلة ساركوزي»، ويحذرون من أن البلاد قد تدفع ثمنا غاليا لهذا. وقد يتمتل هذا الثمن في أن العافية الاقتصادية البريطانية ترتبط عضويا بالحالة الفرنسية خصوصا والأوروبية عموما، وأن مصالحها تقتضي نوع المستقبل الذي تطمح اليه وراء سياستها الدفاعية وصناعاتها في مجال الطاقة الذرية واستخداماتها بما فيها الرادع النووي.
فمصالح البلدين الأمنية صارت مشتابكة في السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، فقد أجبرت إجراءات التقشف بريطانيا على إلقاء ما تبقى من حاملات طائراتها في كومة الخردة. والى حين تشييد حاملات جديدة (في غضون عشرة أعوام) فقد صارت لندن تعتمد بالكامل في قدراتها الدفاعية والهجومية البحرية على باريس.
وإضافة الى هذا، ذكّرت “ديلي ميل” ان كامرون وساركوزي وقّعا على اتفاقات تتولى بموجبها شركات فرنسية بناء الجيل المقبل من محطات الطاقة النووية البريطانية. و”من شأن أي تراخ من جانب باريس في هذا المجال أن يحيل بريطانيا- مثلا- الى فريسة سهلة لانقطاع التيار الكهربائي على مدى سنوات مقبلة”.
بالاضافة الى أنه بينما يتحدث وزراء الحكومة البريطانية الائتلافية علنا عن ضرورة البدء بإصلاح الجسور مع باريس اليوم قبل غد، فاجأ وزير الشؤون الأوروبية، ديفيد ليدينغتون، الجميع ليلة الأحد بسفره الى الولايات المتحدة بدلا عن فرنسا. ورغم أن الوزير برر موقفه هذا بأن «فريقه» على اتصال دائم بفريق اولاند، فقد عُلم صباح الاثنين أن طاقم السفارة البريطانية في باريس اضطر في العديد من الأحوال لاستقاء معلوماته من تلك المتاحة لطاقم السفارة الألمانية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي لم تسمّه قوله: «كامرون غامر بكل أمواله على ورقة لعب معيّنة واتضح انها ليست «الآس». وصحيح أن البروتوكول لم يفرض عليه استقبال هولاند في زيارته لندن في فبراير الماضي. ولكن، بغض النظر عن أن هذا موقف يفتقر الى قصر النظر بحد ذاته، فالأسوأ منه أن كامرون أصر الى لحظة إعلان نتائج الانتخابات الفرنسية على رهانه المعلن على الجواد الخاسر. وللأسف فلا شيء كهذا يمر مرور الكرام وبلا ثمن قد يكون غاليا حقا».