دور الأم في رسم شخصية ابنها… الطاغية!
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تقريراً يرفع النقاب عن علاقات بعض طغاة التاريخ المدهشة- إيجابا أو سلبا- مع أمهاتهم. ونقلت عن مؤسس علم التحليل النفسي سيغموند فرويد – الذي تمتع برابط لصيق مع والدته – أن «اولئك الذين يجدون حظوة خاصة لدى أمهاتهم يظهرون لاحقا سمات تكاد ان تكون بطولية. وتتمثل هذه في قدر هائل من الاعتماد على النفس وتفاؤل لا يُزعزع، يدفعان بهم الى آفاق النجاح الباهر».
وبغض النظر عن اتفاق المرء أو اختلافه مع هذه المقولة، تقول المجلة إن الحقيقة هي أن بين اولئك الذين صنعوا التاريخ طغاة ربما جمع بينهم أن كياناتهم تشكلت وفقا إما لعلاقة حب ورحمة أو خليط متنافر من حب وبغض أو مرارة صافية مع امهاتهم.
وأضاءت المجلة على بعض أمثلة من تاريخ طغاة العصر الحديث (غير العرب) من زاوية علاقاتهم بأمهاتهم:
جوزيف ستالين
“كانت العلاقة عاصفة بين جوزيف ستالين ووالده السكيّر الذي كان يضربه بلا رحمة، وتُذكر للفتى جوزيف حادثة عندما جاء الى مركز للشرطة في بلدته الجورجية حيث نشأ وكان مغطى بالدم ويصرخ قائلا إن أباه في سبيل قتل أمه ايكاترينا الملقبة «كيكي».
“كانت كيكي تكدح بالعمل في غسل الملابس حتى يتسنى لابنها القبول في إحدى مدارس الكنيسة (ولاحقا للتأهل كقسيس). وكانت امرأة قوية الشكيمة صارعت زوجها- الذي هجرها وجوزيف في طفولته بعد- من أجل استرداده منه بعدما اختطفه وألحقه بورشة اسكافي لتعلم المهنة.
“وكانت الأم نفسها قاسية عليه، تنزل به صنوف العقاب كلما أساء التصرف في المدرسة. ورغم عُسر العلاقة بينهما فقد أنزلها في قصر خاص بها بعد توليه السلطة لكنه نادرا ما كان يزورها. وكانت هي، من جهتها، غير سعيدة بأنه صار «قيصر» الامبراطورية الروسية الجديد وتقول له كلما زارها: «ليت المطاف انتهى بك قسيسا يا بني»!
أدولف هتلر
“مثلما كان الحال مع ستالين، عُرف أن علاقة الفوهرر بوالده كانت سيئة بسبب أدائه الضعيف في المدرسة. لكنه كان يبجل والدته كلارا، على الأقل بسبب تشيجعها له على تنمية مواهبه التشكيلية. وبمباركتها غادر منزل الأسرة وهو صبي، في 1907، ليجرب حظوظه الفنية كرسّام في فيينا. على أنه عاد- لفترة وجيزة- بعد مماتها بالسرطان في ذلك العام نفسه. وليس ثمة شك في أن علاقته بها كانت ذا أثر بالغ في تشكيله النفسي الذي قاده الى مفاهيم كالتفوق (والتفوق العرقي تحديدا) وما شابه ذلك من أسس انطلق منها ليمهد طريقه الى السلطة على رأس الرايخ الثالث أو المانيا النازية.
روبرت موغابي
“قلما تحدث الرئيس الزمبابوي عن والدته بونا التي يُعرف أنها كانت كاثوليكية متدينة أصيبت بالاكتئاب بعدما هجرها زوجها ومات ابناها الكبيران. وكان بين القليل الذي أدلى به موغابي نفسه عن طفولته وصباه في كنفها، لقاء قبل سنوات مع الصحافية الزمبابوية هايدي هولاند قال فيه: «اعتقد أنني عشت القدر الأكبر من حياتي وقتها داخل عقلي، وكنت أحب فقط التحدث الى نفسي».
ورغم الفقر المالي الذي نشأ فيه مع والدته، فقد كان الفقر العاطفي الناشئ عن فقد أبيه ذا أثر كبير في حياته. وعليه فقد ألقى بكل كيانه في علاقته بأمه ومنها تعلم الاعتماد على النفس والسعي للانجاز فبشرته بمستقبل تختاره فيه السماء لدور عظيم.
لكن هذا أمر يتضارب مع رواية أحد «تلامذة» موغابي في كتاب أصدره الصحافي الزمبابوي من أصل انكليزي- بولندي، بيتر غودوين، عن سيرة حياه الرئيس الأفريقي. فقد جاء فيه أن والدته لم تكن سعيدة بتوليه السلطة (عدما صار رئيسا للوزراء في 1980). وينقل عنها هذا «التلميذ» قولها يوم أدائه اليمين الدستورية إن ابنها «ليس مؤهلا للقيادة لأنه لا يستطيع رعاية الآخرين».
سلوبودان ميلوسيفيتش
“عاش الرئيس الصربي حياة مبكرة صعبة إذ ولد وبلاده يوغوسلافيا محتلة بيد النازي. وكما حال موغابي، فقد هجر والده الأسرة وهو صغير. وهكذا صارت والدته ستانسلافا، التي كانت معلّمة وناشطة شيوعية، مجور كونه كله. وتبعا لكاتب سيرته الصحافي البريطاني، آدم لوبور، فقد كانت «تحرص على خروجه الى المدرسة بقميص نظيف ناصع البياض – مثل نسخة مصغرة من المسؤول الحزبي الذي كانت تتمنى أن يؤول حاله اليه في كبره».
لكن سلوبودان، تبعا لصحيفة «نيويورك تايمز»، كان صبيا بدينا وانطوائيا بلا أصدقاء مقربين. وعندما التحق بالجامعة ارتبط بعلاقة عاطفية مع زميلة له تدعى ميرا وكانت مصدر سرور عظيم لوالدته. لكنها هجرته في إضافة مأساوية لحياته، إذ تعرض لحادثتين ثانيتهما أمرّ من الأولى. فقد انتحر أباه، وأصيبت والدته بسبب ذلك بالاكتئاب الذي أدى بها لشنق نفسها بعد 10 أعوام. وكان سلوبودان يلوم نفسه فقط في موت والدته وقال لأحد أصدقائه إنها لم تعفر له نهاية علاقته بميرا، وإن هذا- وليس انتحار والده- هو الذي قتلها”.
جان- كلود دوفاليير
“في 1971 عندما خلف الرئيس الهايتي جان- كلود دوفاليير، المعروف بلقب «بيبي دوك»، والده «بابا دوك» في السلطة وكان في سن 19، كانت والدته سيمون، التي يُشاع أنها كانت نشطة في مجاهل السحر الأسود، هي الدينامو المحرك وراء العرش بحيث منحها ابنها لقب «راعية الثورة».
لكن العلاقة بينهما ساءت بعدما تزوج دوفاليير ميشيل بينيت، وهي ابنة ثري هايتي وتنتمي بالنسب لرجل كان قد قاد محاولة انقلاب على أبيه، وهكذا أقصاها عن السلطة. على أن الظروف جمعته بها مجددا بعد إطاحته فتوجه بها وزوجته الى منفاه في جبال الألب الفرنسية ثم باريس، ومجددا بعد عودته معهما الى موطنه في 2011 حيث يعيش ثلاثتهما «فيد الإقامة الجبرية». وهذا من الناحية الرسمية فقط إذ يشهد لهم ارتيادهم أفخم المطاعم وأندية علية القوم.