الطائرات بدون طيار وجدل “القتل الأخلاقي”
وردة السعدي
دخلت عبارة “حملة القصف بطائرات بدون طيار” بقوة إلى ميدان اللغة العسكرية، مع الحروب المندلعة في مناطق متفرقة من العالم، إلا أن الكثيرين لا يزالون يجهلون عمل هذه الطائرات، التي تستخدم بشكل اساسي لاغتيال قادة تنظيم “القاعدة”. وهي بالفعل تمكنت من تصفية مجموعة من القياديين، في مقدمتهم إلياس كشميري، أبو حفص الشهري.
وبحسب تقارير مؤسسة أميركا الجديدة فإنّ الغارات بالطّائرات بدون طيّار تكثفت منذ 2008، إذ نفذت 35 غارة في ذلك العام، و53 غارة في العام الذي تلاه، وأدّت إلى نحو 400 ضحية من المقاتلين التّابعين إلى تنظيم “القاعدة”. أمّا في العام 2010، فتمّ تنفيذ 117 غارة مقابل 400 ضحية من العدوّ.
أمام هذه الحصيلة، يقول جون برينان، مستشار الرئيس الأميركي باراك أوباما المكلّف بمكافحة الإرهاب، بشاعرية لطيفة أنّه “لم تسقط أيّ ضحية غير عدوّة. أمّا جريدة “لونق وور جورنال”، فقد اعتبرت أنّ الهجوم بطائرات بدون طيّار لا يسبّب إلاّ في سقوط 10% من الضّحايا المدنيين.
وطالما أنكرت وكالة الاستخبارات الأميركية هذا النّوع من الحملات الحربية وتكتّمت عليه نوعاً ما، فإنّ “حملة القصف بطائرات بدون طيّار”، أو حملة “دروناج”، حسب المصطلح اللّغوي الفرنسي المستعمل في ميدان الدّفاع، التّي شنّتها الولايات المتحدّة بكثافة في أفغانستان وباكستان، هي التّي أضعفت النّواة الصّلبة لتنظيم القاعدة خلال العامين السّابقين أكثر بكثير من موت أسامة بن لادن، بحسب رأيّ أجهزة الاستخبارات الفرنسية.
الطائرات بدون طيّار وضرباتها القاضية يتحكم بها طيارون من على بعد 12000 كيلومتر، ويعودون بطمأنينة ليلاً إلى مقر سكناتهم بحي لانغلي (مركز الاستخبارات الأميركية) بعد إتمام مهمّتهم العسكرية في المناطق التّي لم يدخلوا معها حتّى في الحرب (باكستان واليمن).
وفي كتاب يسرد أوقات الأسر، يتحدّث ديفيد رود، الصّحافي في جريدة “نيويورك تايمز”، الذّي اختطف واحتجز لمدّة سبعة أشهر في أفغانستان وباكستان، عن “وجود مرعب لطائرات حربية بدون طيّار، كنّا نسمع تحليقها فوق رؤوسنا لمدّة ساعات”. و”تظهر هذه الطّائرات كنقاط صغيرة في السّماء لكن صواريخها تصلّ إلى بعد أميال، وكنّا ندرك جيّدا أنّه يمكن استهدافنا في أيّ وقت”.
وإذا كانت حملات القصف بطائرات بدون طيّار قد فرضت نفسها، فإنّ تكثيفها أصبح مصدر توترّ حقيقي بين واشنطن وإسلام آباد. وأمام تصاعد لهجة الرّأي العام بشأن هذه الحملات، نجد موقف الجيش الباكستاني مخادعاً، فتارة يقوم باستقبال الطّائرات على قاعدة شامشير الجوّية جنوب باكستان وتارة أخرى يعبّر عن استيائه لتحطّم طائرة بدون طيّار في أحد المناطق القبائلية لباكستان يوم الأحد 18 أيلول/سبتمبر.
تكثيف هذه الحملات الحربية زاد الطّين بلّة، فحسب تقرير نشر في أيار 2010 حول الهجمات العفوية التّي شنّت، استدعى فيليب ألستون، المقرّر الخاصّ للأمم المتحدة، البلدان التّي تلجأ إلى استخدام طائرات بدون طيّار، لإرساء قواعد ووضع ضمانات لهذه العمليات ونشر بيانات بشأن الخسائر في صفوف المدنيين. وفي الواقع فإنّ الضّربات، كما يقول، “ليس لها أيّة شرعية قانونية وينجرّ عنها مخاطر مهوّلة يمكن أن تؤخذ في ما بعد كجرائم حرب”، كما أنّ “مصالح الاستخبارات، والتّي حسب تعريفها لا تبرّر نشاطاتها إلاّ لكفلائها، لا تملك الحقّ في برمجة حملات موجّهة لقتل النّاس في بلدان أجنبية”.
وترى السّيدة ماري إيلين أوكونيل، نائبة رئيس الجمعية الأميركية للقانون الدّولي، أنّ استخدام الطّائرات بدون طيّار في باكستان هو استخدام غير شرعي تماما “ففي مجمل الضّربات بطائرات بدون طيّار، كانت الولايات المتحدّة تستهدف شخصا واحداً لكن ذهب فيها الكثير من الأرواح، وهذا ما يثير التّساؤل حول ما إذا كانت تحترم حصانة المدنيين ومبدأ التّناسب، إنّ القتل عن بعد يجعل اتخاذ القرار سهلا ًجدّاً”.
من جهتها، قالت إدارة أوباما إنّها “راجعت بعناية” إجراءات تصويب الهدف لتتحقق من أنّها لا تخالف القانون الدّولي. وحتّى بعد مرور عشر سنوات من اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، لا تزال الولايات المتحدّة تستحضر قانون الدّفاع عن النّفس، حجّة تسمح لها بتسليط قوّتها على البلدان التّي تربطها علاقات مع القاعدة أو مع حركة طالبان أو “قوى أخرى تابعة لها”. ويضيف فيليب ألستون أن “هذه العبارة غامضة تماما وحتّى، وإن كانت الولايات المتحدة تتصرّف بحجة الدّفاع عن النّفس إلاّ أنّ استهداف شخص معيّن يجب أن يتطابق مع حاجات قوانين الحرب وحقوق الإنسان”.
وعليه ففي ظلّ حكومة أوباما، كانت الإجراءات الخارجة عن نطاق القانون تفضّل الاعتقالات. ومجرد أن بدت فعالية حملات القصف بطائرات بدون طيّار، حتّى انكشفت مجمل الإشكالية القضائية والإستراتيجية التّي تثيرها. وفي اختتام اليوم الدّراسي حول “آفاق المعركة ضدّ الإرهاب”، اعترف فرانسوا هاسبورغ”، وهو المستشار الخاص لمؤسسة البحث الإستراتيجي الفرنسية، أنّه اكتشف من خلال هذه المناسبة الكلمة الفرنسية “دروناج”. ودعا الحاضرين للتّساؤل حول استعمال هذه الأسلحة الحربية الشبيهة بألعاب الفيديو: “في أيّ قانون تندرج هذه الهجمات؟ وحتّى وإن لم يكن يزعجنا استخدامها للحرب ضدّ القاعدة وأنّ حلفاءنا هم الذّين يطوّرون التكنولوجيا، لكن كيف يكون الحال يوم تسيطر عليها الصين وبلدان أخرى، حينها يمكن أن تغيب عنّا بعض العناصر وتخرج عن ممارستنا الأخلاقية”.
إلاّ أنّه يبدو جليّا أنّ التّصرفات الأميركية قد تجاوزت كثيراً هذه الممارسات الأخلاقية.