الياس ديب: ديوان شعر للفن التشكيلي
الفنان التشكيلي اللبناني الياس ديب في كتابه الجديد “طاحونة الصدى” الذي يحتوي -وفقا لمقاييس هذه الايام الفنية- على مجموعة “قصائد”.. يصر على القول انه ليس شاعرا وهو زعم لا تدعمه قراءة محتويات الكتاب.
يكتب الياس ديب موضوعات متناولا الحياة والموت اذ ان المرض جعله يقيم في مستشفيات مختلفة مدة من الزمن فجاءت قصائده مكتوبة في هذه المستشفيات.
الكتاب حمل عنوان “طاحونة الصدى” كما سبق القول واتبع العنوان بوصف بدا كأنه عنوان آخر فرعي هو “نصوص عفوية ورسوم من سفر العجب”. وقد صدر الكتاب عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) و(محترف مرئيات) في بيروت وجاء في 110 صفحات متوسطة القطع.
رسم الغلاف هو للفنان الياس ديب ورسوم الكتاب الداخلية له وللفنان بلال بصل والفنانة يارا قرداحي. وصممم الغلاف علي قهوجي.
والياس ديب حاصل على درجة دكتوراه في الفنون وعلوم الفن من جامعة باريس الاولى السوربون وعلى شهادات اخرى في المجال الفني. وقد مارس النشاط المهني في ميدان التعليم والتربية الفنية وله دراسات وأبحاث ومحاضرات في مجال الفنون البصرية.
وفي مقدمة حملت عنوان “صدقا اقول” يعلن الياس ديب “لم اقل يوما اني شاعر او اديب او كاتب قصص وروايات بل كنت دوما اسعى خلف رؤيا البصيرة لا الصور في ادغال الابجديات.”
اضاف كأنه بكلامه ينفي عن الصفات التي يذكرها علاقتها بالشعر “كنت ومازلت ابحث بين السطور عن منظر ذهني.. عن مسرح وأسطورة.. عن نغم.. عن عطر.. عن رجع صدى… ومازلت في اقاليم الحق والخير والجمال اطوف توقا لاماكن رحلت من حيث تأتي الرياح.”
الياس ديب يكتب نثره وما نسميه شعره وكأنه يرسم ذلك رسما.. فأمامنا لوحات واسعة وبتفاصيل صغيرة منمنمة.
وقال “ادخل غابة الابجدية للنزهة والمتعة. يكون اهتمامي غالبا مفتونا بالاعشاب البرية.. بطحالب المشاعر الصادقة التي تنمو فوق جذوع الاشجار وتكون مشاعري ايضا متيقظة لزغردات العصافير فوق اغصان ندية في صباحات العمر. اشجار تعلو.. تحاور الغيوم.. تضم الضباب الى صدرها.. تستقبل النور وتودع المغيب فوق اضلعي.”
الفنان الذي تعامل طوال عمره بالالوان اكثر من تعامله بالحروف قال عن نفسه “زائر انا في غابة الابجدية يؤنسه الشجن. الشعر ليس مهنتي. انا في هذه الدنيا ضيف وزائر في عينيه غيمتان ودمع وفي قلبه تعبث بعض العشائر. رغم النصوص التي اكتبها انا لست شاعرا.”
وتحدث عن كتابه فقال “النصوص التالية كتبت خلال شهرين.. ايلول سبتمبر وتشرين الاول اكتوبر 2011 بعد عملية جراحية خضعت لها. هذه النصوص بدأ فيضها في بيت الشفاء -المستشفى- خلال الخمسين يوما التي قضيتها فيه.
“ربما جاءت الى خاطري للهرب من فكرة الموت والفناء التي زارتني في حجرة العناية الفائقة. ربما جاءت لدفن الضجر في غرفة الاستشفاء كما في مركز التأهيل.
“رافقتني في ساعات الفراغ بعض القراءات وايضا قمت بتخطيط بعض الرسوم التي اضمّن هذا الكتاب عددا منها. وهي رسمت تحت عنوان “سفر العجب” كما شاركني بعض الاصدقاء والاحبة الاصغاء لابداع الحياة.”
قصائد المجموعة طويلة في غالبها. اول عنوان عنده كان “طاحونة الصدى” التي يستهلها بالقول “بين غفوات وحلم يعبر الليل جفوني خفيفا كالسراب/ يوقظ النفس لحظة نور قرب الفجر عند مفارق الشفاء/ ويبقى الجسم فوق سرير الانتظار/ ابواق الحلم تصدح في شعرها الاحمر من هي/ اهي الحياة؟/ تعلو اشرعة الغياب ومراكب الضباب تنتظر… الموت قريب؟”
ويختم القصيدة بالقول “اموت.. اموت بلا خوف اموت (ابي وامي هل القاهما هناك؟) كيف تنتظم الفصول عند مداخل الخلود؟/ قبل اقفال بوابة الحقيقة في عين المكان والزمان/ يظهر وجود افتراضي تضمه الصلاة/ الى صدرها انفاسا ترانيم حياة.”
وفي قصيدة “غربتان وقدر” يقول الياس ديب “عاد من هيكل الوقت شيخ السنين/ عاد سقيما هزيلا كالصقيع/ عاد الخريف الى متاهات المدينة/ سجادة صفراء تفترش الرصيف/ الغراب يعلن موت النهار فوق مصباح الغروب/ الضجر يركض في متاهات القدر في حدائق الحياة/ تزحف الى جحرها افعى الوصية تحمل الفردوس/ في فمها هدية.. فردوسها اللعين.”
وفي “لقاءات الوحشة” يرسم الياس ديب ما يقوله في صور واسعة وفي تفاصيل. يقول “تخرج من فم الصحراء وحشة عملاقة الكثبان/ رمادية زرقاء وأشباح الريح ترحل/ الى بلاد العواصف/ شعاع وعشائر يتعانقان عند المغيب/ تخجل الشمس.. يمتلىء الافق بعبير القلب/ وردا جوريا تنثره انامل اهل العشق/ فوق فضاءات الروح/ ترفرف ريح وفحيح افعى/ تخرج من نبض الخوف/ تزحف مثل جداول الرعشة.”
في قصيدة “سحر الضجر” يقول “نور الشمس رحيق. فرحي يتقن الترحال/شعاعها رفيق يسكن القلب وشراعي حرير/ غيومي دائمة الحضور/ اعيادها مطر/ ساحاتي تفترشها عيون الزمان/ تتفتح عندها مداخل الفصول/ تسجد فيها اعتاب القدر.”
اذا اردنا مسايرة الياس ديب في قوله انه ليس شاعرا فمن اضعف الايمان ان نقوم بوصف كلامه المكتوب هذا مستعيرين عنوانا لمجموعة شعرية للراحل محمد خالد القطمة وهو “كلام يشبه الشعرا”.