استطلاع سري لآراء المعارضة السورية في الداخل
كشف استطلاع سري لآراء ناشطي المعارضة في سوريا ان الاسلاميين لا يشكلون إلا أقلية بينهم، مشيراً الى ان مناوئي الأسد في الداخل يعتبرون تركيا نموذجا للحكم في سوريا، وان كثيرين منهم حتى “يكنون اعجابا بالولايات المتحدة”.
فقد أجرت مؤسسة “بتشتل” المتخصصة بدراسة الرأي العام في المناطق الساخنة من الشرق الأوسط وافريقيا وآسيا، استطلاعها لآراء المعارضين السوريين في كانون الأول/ ديسمبر 2011. واتصلت المؤسسة بالمستجيبين عن طريق اشخاص يثقون بهم استخدموا طريقة اتصال آمنة على “سكايب”. وكانوا جميعهم سوريين طُلب منهم ان يجيبوا بالعربية عن اسئلة استبيان مختصر من دون ذكر اسمائهم. واختارت المؤسسة عينتها من شرائح اجتماعية وسياسية مختلفة بما يضمن تعبير المشمولين بالاستطلاع عن اجمالي مواقف المعارضة بصورة تقريبية. ولضمان سرية الاستطلاع لم تكن المشاركة في الاستطلاع على الانترنت إلا عن طريق سلسلة من الخوادم الوكيلة، متخطية الانترنت التي يراقبها النظام السوري.
وإزاء المتطلبات الأمنية غير المعهودة للاستطلاع جرى اختيار افراد العينة بطريقة الإحالة (أو ما يُسمى “كرة الثلج المسيطَر عليها”) بدلا من الطريقة العشوائية المحضة. وبغية ان يكون الاستطلاع تمثيليا قدر الامكان، استخدم خمس نقاط انطلاق مختلفة لسلاسل الإحالة المستقلة التي تعمل كلها من أماكن مختلفة. وأسفرت هذه العملية عن عينة تضم 186 شخصا في سوريا هم إما ناشطون في المعارضة (ثلثا المجموع) أو لهم ارتباط بها.
فالاستطلاع الذي نشرت “وول ستريت جورنال” تفاصيله، طرح سؤال مفاده ما الذي يفكر فيه هؤلاء الناشطون من معارضة “الداخل”؟ اعرب نحو ثلث فقط عن رأي ايجابي بجماعة الاخوان المسلمين. وكانت نظرة نصفهم تقريبا نظرة سلبية الى الاخوان المسلمين والباقين نظرتهم محايدة، بحسب الصحيفة التي أشارت الى ان تباينات كبيرة لم تظهر بين المناطق المختلفة في الاجابة عن هذا السؤال.
وفي حين ان كثيرا من المشمولين بالاستطلاع كانوا مع القيم الدينية في الحياة العامة، فان نسبة صغيرة فقط ابدوا تأييدا قويا لتطبيق الشريعة أو لمشاركة رجال الدين بنفوذ قوي في الحكم أو شددوا بقوة على اهمية التربية الاسلامية. وقالت أغلبية واسعة (73 في المئة) “ان من المهم ان تتولى الحكومة السورية الجديدة حماية حقوق المسيحيين”. وقال 20 في المئة فقط ان للقادة الدينيين تأثيرا كبيرا في آرائهم السياسية.
كما تبدى هذا الرفض الواسع للاصولية الاسلامية في آراء الذين جرى استطلاعهم بنظام الحكم. سأل الاستطلاع كل مجيب عن البلد الذي يود ان يرى سوريا تقتدي به سياسيا والبلدان التي يود ان يرى سوريا تقتدي بها اقتصاديا. وأدرج الاستطلاع 12 بلدا لكل منها مقياس من 1 الى 7. وكان لدى 5 في المئة فقط رأي ايجابي بالعربية السعودية كنموذج سياسي. وعلى النقيض من ذلك فان 82 في المئة منحوا تركيا درجة ايجابية بوصفها نموذجا سياسيا واقتصاديا على السواء، بينهم اكثر من 40 في المئة رأيهم ايجابي للغاية. ونالت الولايات المتحدة تقييما ايجابيا من 69 في المئة بوصفها نموذجا سياسيا تليها فرنسا والمانيا وبريطانيا بفارق ضئيل وراءها. ونالت تونس تقييما ايجابيا من 37 في المئة فقط ومصر 22 في المئة.
وجاءت ايران في اسفل القائمة بين جميع البلدان التي أدرجها الاستطلاع، بما فيها روسيا والصين. إذ كانت نسبة الذين منحوا ايران درجة تقييم ايجابية أقل حتى من 2 في المئة. وابدى 90 في المئة رأيا سلبيا بحزب الله بينهم 78 في المئة كان رأيهم على أقصى درجات السلبية.
وكان من المفاجآت التي اسفرت عنها نتائج الاستطلاع سعة شبكة المعارضة في دمشق رغم المصاعب التي يواجهها معارضو العاصمة في التظاهر. وقال ثلث المستجيبين للاستطلاع، سواء أكانوا ناشطين أو متعاطفين مع المعارضة، انهم يعيشون في العاصمة السورية. ولحماية خصوصيتهم لم يطلب الاستطلاع تعريفا ادق بهويتهم.
وتبين نتائج الاستطلاع التي نشرتها “وول ستريت جورنال” ان معارضة “الداخل” على مستوى جيد من التعليم حيث كان ما يربو قليلا على النصف من خريجي الكليات. وكانت نسبة الذكور الى الاناث نحو 3 الى 1 و86 في المئة من العرب السنة.
وقد لا يكون مستغربا ان موقف المشمولين بالاستطلاع كان متأرجحا من مطالب الكرد السوريين باللامركزية السياسية (صيغة شبيهة بالحكم الذاتي). إذ كانت الآراء بالأحزاب الكردية منقسمة بالتساوي بين السلبي والمحايد والايجابي. ومن الواضح ان مثل هذه المشاعر متبادلة. ففي الأشهر الستة منذ اجراء الاستطلاع قررت التنظيمات الكردية السورية ان تعتمد نهجا خاصا بها بعيدا عن فصائل المعارضة الأخرى، كما تلاحظ الصحيفة.
واستنادا الى التحليل الاحصائي لمعطيات الاستطلاع فان غالبية العلمانيين الذي شاركوا فيه يفضلون حكومة مركزية ضعيفة كطريقة لحماية حرياتهم الشخصية على ما يُفترض. ومن جهة أخرى فان ثلث المستجيبين الذين يؤيدون الاخوان المسلمين يميلون ايضا الى اتخاذ موقف ايجابي من حركة حماس رغم ارتباطاتها السابقة بنظام الأسد.
ويبين الاستطلاع ان العمود الفقري للمعارضة السورية في الداخل لا يتألف من الاخوان المسلمين أو أي قوى اصولية وهو بالتأكيد لا يمت بصلة الى تنظيم القاعدة أو غيره من الجماعات الجهادية. ولا بد من الاشارة الى ان ثورة يفجرها علمانيون يمكن ان تمهد الطريق أمام الاسلاميين للفوز بالانتخابات كما حدث في مصر. ولكن المعارضة السورية تتخذ موقفا ايجابيا لا يقبل اللبس من الولايات المتحدة وغالبيتها الساحقة تتخذ موقفا سلبيا من حزب الله وايران، بحسب الاستطلاع الذي اجرته مؤسسة بتشيل.