خليّ السلاح صاحي .. صاحي
معمر عطوي
في لبنان فتحنا أعيننا على أصوات قرقعة السلاح وأصداء أغنية عبد الحليم حافظ «خليّ السلاح صاحي .. صاحي»، فكان السلاح جزءاً من المشهد العام للشعب اللبناني منذ عشرات السنين، حتى أصبح «زينة الرجال»، كما قال الإمام موسى الصدر قبل سنوات من اختفائه في ظروف غامضة على أرض ليبيا.
ومع عودة السلاح بقوة الى الشارع اللبناني، في الشهور الأخيرة، عادت نغمة الحرب تصدح في وسائل الإعلام وفي الخطابات الرنانة، كما عاد أزيز الرصاص ليكمّل عناصر السينوغرافيا الطائفية في بعض شوارع طرابلس وبيروت وعكار. فأمام التحريض المكثّف على سلاح المقاومة الإسلامية في الجنوب، أصبح امتلاك السلاح بالنسبة لأتباع الطوائف الأخرى ذريعة لمواجهة سلاح المقاومة، بينما هو في الواقع لا يلعب أي دور مشابه لدور سلاح الجنوب الذي لم يكن ليدخل في زواريب الداخل في «معارك الإخوة» بين حزب الله وحركة أمل، لولا استفحال عناصر الفتنة واضطرار المقاومة لحماية ظهرها من محاولات إقليمية دولية لتصفيتها.
المشهد يتكرر في العام 2008 بشكل أسوأ وأكثر استفزازية، حين دخل مسلحو حزب الله الى بيروت لوقف محاولات استفزاز دامت نحو ثلاث سنوات، أي منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ووصلت الى حد التعدي على شبكة اتصالات كانت عاملاً أساسياً في نجاح المقاومة خلال حرب العام 2006 في التصدي للعدوان الإسرائيلي ــ الدولي على لبنان.
إذن، السلاح عاد الى الشوارع ولم تعد أي طائفة «مكسر عصا» لطائفة أخرى كما يدّعي ضعاف النفوس من هذه الجماعة السياسية أو تلك الجماعة المذهبية، مع الفارق الرئيس بين سلاح ثقيل لا ينفع في أي معركة داخلية، كونه عبارة عن صواريخ معدّة سلفاً لاقامة توازن رعب مع كيان العدو المحاذي لحدود لبنان الجنوبية، وبين سلاح لا ينفع إلاّ للتشبيح و«البهورة» وتعميق الشروخات المذهبية بين أبناء الوطن الواحد، ناهيك بما يمكن أن يسببه من أذى وضرر للناس الآمنين.
فذريعة أن السلاح في أيدي طائفة يهدد الطوائف الأخرى، لا معنى له سوى التحريض وخدمة برامج خارجية هدفها اشعال فتنة مذهبية، مع العلم أن مسألة 7 أيار ليس لها أي سبب مذهبي، لأن معارك حزب الله مع حركة أمل (وهما ينتميان لمذهب واحد) قبل نحو عقدين، كانت تسير في السياق نفسه، وهو حفظ سلاح المقاومة التي تشكّل قوة كل لبنان بغض النظر عن التنوع الذي يحيا في ربوعه.
في القديم كان الشعب اللبناني مشهوراً بأن كل بيت من بيوته يحوي قطعة سلاح، وكان هذا السلاح الفردي الذي يمكن أن يقتل أي إنسان برصاصة طائشة، وسيلة للتعبير عن الفرح في الأعراس ووسيلة للاحتجاج أو للحزن في الأتراح. لكن اليوم أصبح هذا السلاح الفردي الذي نشاهده على شاشات التلفزيون ظاهراً بشكل فاضح كأننا أمام عرض فيلم «آكشن» ببنادق حديثة مجهّزة بمناظير ليلية وأشعة «لايزر» لتحديد الهدف الذي لا علاقة له بتاتاً بطبيعة المعارك الحاصلة، إضافة الى جعب تحمل القنابل ومخازن الرصاص.
وبدا الأمر وسيلة للانتشاء المتعلق بحق الجماعة المذهبية أو الطائفية بحمل سلاح، بحجة أنه كان منذ سنوات قريبة في أيدي المقاومين وحدهم، على الأقل في الظاهر.
بيد أن واقع الأمور أظهر أن السلاح الفردي وربما المتوسط لم يغادر مخازن ودساكير وأقبية الأحزاب اللبنانية على اختلافها وبعض الشخصيات السياسية والدينية، رغم ما انتشر من أخبار بعد نهاية الحرب اللبنانية في بداية التسعينات عن تسليم السلاح الى الجيش اللبناني.
المفارقة أن هذه السلاح الذي بات بعض الواقعين تحت تأثير خطابات التحريض الطائفي يتباهون بحمله أمام عدسات الفضائيات وربما أمام الأجهزة الأمنية اللبنانية، لا يشبه بتاتاً سلاح المقاومة الذي لم يكن ليظهر لا في بيروت ولا في الضاحية ولا في بعلبك الا في حالات تعرّض المقاومة وأمنها للهجوم المباشر، بينما بدا السلاح الآخر وكأنه للتشبيح وتعويض نفسي عن حالة فقدان أو خسارة يعيشها بعض اللبنانيين.
وإذا كان السلاح وسيلة مهمة للردع، يتذرع المؤمنون بحمله تيمناً بقول النبي محمد: «تسلّح ولو بشبر من حديد» أو بقول للسيد المسيح «من ليس عنده سيف فليبع بردته وليشتري بثمنها سيفاً»، فإن بعض اللبنانيين لجأ الى شراء السلاح بذريعة مساندة الثورة السورية التي تشهد فوضى عارمة نتيجة تخليّها عن الخيار السلمي والخضوع لاملاءات وأجندات دول لها مصلحة بتسليح الثوار من أجل تسعير حرب أهلية دموية في سوريا. طبعاً النظام وسياسته الأمنية غير برئ من مسألة دفع بعض السوريين للدفاع عن أنفسهم بالسلاح، مضطرين غير باغين.
في أي حال كان السلاح أحد ثلاثة أشياء لا يمكن إعارتها عند العرب (المرأة والفرس والبارودة)، وكانت أناشيد الثورة الفلسطينية عارمة بتمجيد السلاح الذي لا وجهة له إلاّ العدو الذي يحتل الأرض ويقتل الشعب وينتهك العرض، هذا هو السلاح الذي يدفعنا للغناء دائماً «كلاشينكون خلي رصاصك بالعالي»، وكل ما تبقىّ لا ينفع إلاّ في علاج بعض الحالات النفسية المُستعصية.