من يريد إقحام حزب الله في الصراع السوري ــ السوري؟
بيروت ــ «أخبار بووم برس نت»
ما أن انطلقت الانتفاضة السورية في ركاب مسار الثورات العربية أو ما كان يسمى الربيع العربي، حتى التفت الجميع نحو «حزب الله» لمعرفة ردة فعل «حليف سوريا مرتين»، المرة الأولى كفريق لبناني، والمرة الثانية عن طريق التفافي يمر بإيران حيث «الحليف الأقوى والثابت منذ الثورة الإيرانية»، كما يقول دبلوماسي سابق خدم في لبنان.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الحزب اصيب ببلبلة في بداية الانتفاضة السورية وأن هذه البلبلة انعكست على مواقف مؤيديه من أفراد إلى قوى سياسية مروراً بالإعلام والجمعيات التي تدور في فلكه. ويذكر الجميع أن «بعض الإشارات صدرت من الحزب تشير إلى وقوفه إلى جانب الشعب»، قبل أن «يعود ليعلن تأييده للنظام السوري مع تحفظ بضرورة إجراء إصلاحات».
ويقول الدبلوماسي إن الحزب بدأ يتابع مسار الملف السوري من موقع أقرب للمعارضة السورية منه إلى النظام، وإن مسار المتابعة انحرف رويداً رويداً مبتعداً عن المعارضة في حركة موازية لحركة تشرذم المعارضة. وقد فسر البعض هذا التحول بأن سببه «تقييم بأن انقسام المعارضة سوف يقود إلى انتصار النظام»ـ بينما فسر البعض الآخر بأن تحول قسم من المعارضة إلى رأس حربة غربية لها أجندة تتجاوز بكثير الساحة السورية خصوصاً المجلس الوطني السوري الذي لم يتردد بالإفصاح، على لسان رئيسه المستقيل برهان غليون بتصريحه لصحيفة «وول ستيرت جورنال» في ٢ كانون الأول من السنة الماضية، بقوله «إذا تمكن المجلس من تشكيل حكومة جديدة فإنه سوف يقطع علاقته مع إيران ويوقف توريد الأسلحة لحماس وحزب الله»، وذلك في سياق «تحالف مع القوى العربية الرئيسية» ناهيك عن مطالبة قسم من هذه المعارضة بـ«تدخل عسكري».
يوافق مقرب من حزب الله على أن «كل هذه التفسيرات مشتركة كافية لتبرير تحفظ الحزب». ويتساءل حين قال غليون «القوى العربية الرئيسية» كان يقصد «المملكة السعودية وقطر، إذ أن مصر كانت لا تزال في دوامة ثورتها». ويستطرد بأن هذه القوى العربية هي التي «وقفت في وجه المقاومة عام ٢٠٠٦ في حين أن سوريا بنظامها الذي بحاجة لإصلاح وقفت إلى جانب المقاومة». وينهي بالقول «إن مصلحة المقاومة هي التفسير الوحيد وهو ما لا يفهمه البعض».
ويذكّر المصدر بأن «القوى الغربية فرضت حصاراً بحرياً عام ٢٠٠٦ على المقاومة ولبنان»، وحاولت فرض حصار بري لم تنجح في فرضه، وويقول عندما يتبنى المجلس الوطني ما قاله غليون «يرى الحزب أن هذه المعارضة تريد تحقيق في لبنان ما عجزت عنه القوى الغربية عام ٢٠٠٦»، ويعود للتساؤل «فلماذا نكون معها؟»، وبعد تردد يقول «المسألة ليست اصطفاف بين إيران والعرب وإلا لماذا يعد غليون بقطع المعونة عن حماس في غزة؟». ويستطرد بأن «قسماً من المعارضة السورية يريد تسديد فواتير وصوله إلى الحكم على حساب المقاومة والصراع الاسرائيلي العربي لذا نحن ضد هذه المعارضة»، ولكنه يؤكد «إن حزب الله لا يحارب هذه المعارضة وهو يدعم سياسة النأي بالنفس»، مذكراً بأن «الحزب يشارك بالحكومة ويتضامن مع قراراتها»، ومنها الموقف الرسمي اللبناني تجاه الملف السوري.
إلا أنه يحذر بأن ما يشير إليها بـ«القوى الجديدة في المعارضة السورية»، والتي يصفها بأنها مجموعات السلفيين المسلحين التي «استلمت زمام المبادرة مدعومة من الدوحة وبعض القوى في السعودية»، هي التي تمسك بواقع المعارضة المسلحة اليوم على الأرض وتريد استغلال الوضع المتعفن في سوريا لفتح معركة مع حزب الله. ويقول إن المعلومات التي بحوزة الحزب والسلطات اللبنانية تشير إلى أن «القوى السياسية اللبنانية التي تدعم المعارضة السورية تجاوزتها الأحداث وباتت أسيرة مواقف لا تريدها ولم تسع لها».
ويمكن الاستنتاج من تصريحات هذا المصدر وتحليلات عدة على الساحة اللبنانية أن «محاولات فتح جبهة جديدة» في لبنان ليست مرتبطة أولاً بالصراع السياسي في لبنان ولا مرتبطة بالأزمة السورية بل بـ«مسار أعمق من مسار الثورات العربية» يعكس استراتيجية «جديدة قديمة» للتيارات السلفية، التي لم تعد تخفي «أهدافها المرتبطة بشمولية إسلامية».
وتبدو هذه التيارات غير منظمة وبعيدة عن نظرية المؤامرة ولكنها تتبع «أهدافاً موحدة لا جدال فيها بينها». ويبدو أيضاً أنها لا تعطي أهمية لنظام الأسد «إلا بمقدار مقاومته المستميتة التي تسمح بانهيار الدولة السورية»، وهي تسعى لتأجيج الخلافات بين المعارضات السورية ومنع أي توحيد لها يوقف انتشار التعفن التام للمجتمع السوري، ويبدو أيضاً أن هذا التوجه يهيمن على عمل تيارات إسلامية متفرقة غير منتظمة في الساحة اللبنانية تسعى للاستفادة من دينامية تناقض المصالح بين مؤيدي النظام السوري في لبنان وقسم من المعارضة السورية لفتح جبهة جديدة في لبنان هذه المرة أو لجر حزب الله إلى معركة في سوريا، ليس للدفاع عن النظام السوري بل للدفاع عن نفسه.