- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ذكرى الوحدة الألمانية: ماذا بقي من الحرب الباردة؟

لسقوط الجدار وبنائه قصتان مختلفتان

لسقوط الجدار وبنائه قصتان مختلفتان

معمر عطوي
3 تشرين الأول محطة هامة في جمهورية ألمانيا الاتحادية، ففي كل عام تحتفل البلاد في هذا الوقت بذكرى الوحدة بين شطرين انقسما لأكثر من أربعة عقود. لكن سقوط جدار برلين التاريخي، لم يكن حدثاً عادياً بقدر ما كان سقوطاً لأحد أبرز رموز الحرب الباردة بين معسكرين اشتراكي يقوده الاتحاد السوفياتي ورأسمالي تقوده الولايات المتحدة.
وإذ انتهت هذه الحرب يبقى من تراثها رمز آخر كائن في شبه الجزيرة الكورية بين جمهورية اشتراكية في الشمال، مدعومة من الصين وروسيا، وجمهورية ليبرالية في الجنوب مدعومة من الولايات المتحدة.
في الحقيقة، لم تكن تلك الليلة البرلينيّة الباردة من خريف عام 1989 سوى بعث جديد لحلم الدولة الموحدة الذي تجسّد قبل أكثر من قرن على يدي «المستشار الحديدي»، أوتو إدوارد بسمارك، بيد أن سقوط جدار برلين كان إيذاناً بمرحلة أوروبية جديدة، تجاوزت فيها «القارة العجوز» مشكلة الانقسام بين منظومة شيوعية متهالكة وأخرى رأسمالية أعلنت أن نهاية التاريخ بدأ «بانتصار» فلسفتها على «إمبراطورية الشر».
قصة الجدار بدأت منذ العام 1961، حين عزمت جمهورية ألمانيا الديموقراطية الاشتراكية (DDR) في شرق البلاد على بنائه، تحت عنوان “حماية الدولة من خطر الإمبريالية والفاشية”. وكانت هذه الخطوة بمثابة إشارة لوجود وضع جيو ــ سياسي جديد عقب سقوط الرايخ الثالث.
فبعد خسارتها الحرب أمام الحلفاء، تحولت ألمانيا إلى منطقة متعددة النفوذ، حيث تقاسمها أربعة أطراف، كانت قد هزمت النظام النازي عام 1945: روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وساهم حصار السوفيات لبرلين في عام 1948، في خلق شروط إمكان تقسيم البلاد إلى دولتين: الأولى، جمهورية ألمانيا الاتحادية، على الأراضي التي تخضع لنفوذ الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين (تأسست في 23 أيار 1949، واتخذت مدينة بون عاصمة لها). والثانية، جمهورية ألمانيا الديموقراطية (DDR)، التي تأسست بدورها، في 7 تشرين الأول من العام نفسه، وأُعلنت برلين الشرقية عاصمة لها. أمّا الفاصل الجغرافي بين الدولتين، فكان سياجاً طويلاً من المعدن الشائك، تحول في العام 1961 الى جدار إسمنتي بين شطري العاصمة الألمانية، ليبلغ طوله نحو 111 كيلومتراً، (يصل علوّه أحياناً إلى 360 سنتمتراً)، فيما بقي نحو 44 كيلومتراً محمياً بسلك شائك. ومثّل معبر «تفتيش شارلي» الأميركي، المعلم الأساسي لانقسام المدينة، الذي كان مخصصاً لمرور الصحافيين والدبلوماسيين والسياح والشخصيات العسكرية بين الشطرين.
ولنهاية الجدار قصة أخرى، لا تشبه بداياته، فقد بدأت إرهاصات السقوط، من خلال إشارات عديدة، أهمها ظهور معارضة قوية ومنظّمة في كنف النظام الشيوعي. معارضة تحوّلت للمرة الأولى منذ تأسيس الـ «DDR»، إلى حركة ناشطة في الشارع، بعد اتهام حكومة الحزب الاشتراكي، بتزوير نتائج الانتخابات، في أيار 1989.
ومع استقالة الأمين العام للحزب الشيوعي، إيريش هونيكر، من منصبه الحزبي وبوصفه رئيساً للدولة الشرقية. وإعلان عضو المكتب السياسي للحزب الحاكم، غونتر شابوسكي، عن قانون يسمح لكل مواطن في ألمانيا الشرقية بالسفر إلى الخارج، بدأت مرحلة جديدة تشهدها البلاد. فقد تدفق الملايين من السكان إلى المعابر شرقاً، فيما احتشد على الضفة الأخرى الغربية المواطنون بكثافة. وفُتحت المعابر الحدودية كلها، قبل منتصف ليلة 9 تشرين الأول 1989.
المفارقة أنه بعد 22 سنة على ليلة سقوط الجدار، لا يزال بعض الألمان في الشطر الشرقي يشتكون من عدم نجاح سياسة الإنماء المتوازن بين شطرين لم تعد الآيديولوجيا ولا الحرب الباردة تفرّق بينهما، فيما يبقى آخر رموز هذه الحرب جاثماً في شبه الجزيرة الكورية ليذكّر العالم بوجود معسكرين لم ينتهيا.