الخليج: معاملة خشنة ولا إنسانية للعمال الأجانب
على مشارف الدوحة عاصمة واحدة من أغني دول العالم يعيش العمال المغتربون الذين ساعدوا في بناء ناطحات السحاب البراقة والمراكز التجارية الفارهة في ظروف تشبه العيش في الاحياء العشوائية الفقيرة.
فالملابس معلقة على امتداد جدار في مخيم للعمال المغتربين في المنطقة الصناعية بالدوحة بالقرب من أكوام من القمامة وقطع غيار السيارات الملقاة بينما تتساقط قطرات بنزين من خزان فاض بما فيه على الارض وتزكم الانوف رائحة كريهة من مجرور مكشوف للصرف الصحي.
ويقول «بهانو» وهو عامل من نيبال يقيم في المخيم إنه يتحمل هذه الظروف لأنه يكسب أكثر كثيرا مما كان يمكن أن يكسبه في بلده. واضاف “انا هنا لأتمكن من ارسال المال لدياري.”
لكن في الوقت الذي تستعد فيه قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 وتضخ مليارات الدولارات في برنامج لتطوير البنية الأساسية ما يتطلب تشغيل اعداد كبيرة من العمال الأجانب سلطت الاضواء على أسلوب معاملتها للعاملين الأجانب.
وليس هناك حد أدنى للأجور في هذه الدولة الخليجية الصغيرة فعلى الرغم من أن عمالا مثل بهانو يسعدون بالحصول على عمل هنا لانهم لا يجدون عملا في بلدهم ويحصلون على أجر يعتبرونه مرتفعا فإن هذا الاجر لا يتجاوز ما بين ثمانية و11 دولارا في اليوم وينخفض في بعض الأحيان إلى مستوى 6.75 دولار في اليوم في بلد يبلغ فيها نصيب الفرد من الدخل نحو مئة الف دولار وهو من أعلى المعدلات في العالم.
واصدرت منظمة هيومان رايتس واتش المدافعة عن حقوق الإنسان تقريرا هذا الشهر يدين الانتهاكات التي رصدتها في قطر ويدعو إلى تغيير شامل في الممارسات العمالية قبل البطولة التي تقام بعد عشر سنوات.
وقالت بريانكا موتابارثي الباحثة في هيومان رايتس ووتش المختصة بالشرق الأوسط لرويترز في العاصمة القطرية “التقينا مجموعة من سبعة عمال نيباليين في مجمع أسباير الرياضي قالوا إن جهة عملهم لم تدفع لهم أجورهم منذ نحو أربعة أشهر وإنهم يريدون العودة إلى نيبال لكن أصحاب العمل يرفضون رد جوازات سفرهم لهم.” وأضافت “أجرينا لقاءات مع عاملين في مطار الدوحة الجديد قالوا إن أجورهم خفضت بشكل غير قانوني – اي اقتطع اصحاب العمل نسبة من أجورهم الشهرية.”
وتتناقض معاناة العمالة الأجنبية مع ارتفاع ثروات القطريين الذين يمثلون 250 ألف نسمة فقط من عدد سكان البلاد البالغ 1.7 مليون نسمة ما ساعد الدولة على وهي اكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم على تجنب الاضطرابات التي شهدتها دول أخرى في الشرق الأوسط. وفي سبتمبر أيلول الماضي رفعت الحكومة الأجور الاساسية والامتيازات الاجتماعية للعاملين في القطاع العام القطري بنسبة 60 بالمئة في حين حصل أفراد الجيش على زيادة ما بين 50 و120 بالمئة. ولم يشهد العمال الأجانب مثل هذه الزيادات.
وقالت موتابارثي إن العديد من هؤلاء العاملين يستدينون مبالغ كبيرة تتراكم عليهم ديونا في بلادهم من أجل السفر إلى الخليج. ويصلون عادة دون معلومات دقيقة عن العمل الذي ينتظرهم ثم يجدون أنفسهم مقيدين بوظائف لم يوافقوا عليها مسبقا أو يتقاضون اجورا أقل بكثير مما كانوا يتوقعون الحصول عليه.
وتابعت “يفترض أن صاحب العمل هو من يتحمل رسوم التعيين لكن جميع العاملين تقريبا الذين تحدثنا معهم في قطر قالوا إنهم تحملوها.”
ورغم أن المقاولين الأجانب هم عادة من يتهمون بسوء معاملة العمال فقد انتقدت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان الحكومة القطرية لعدم ضمانها التزام الشركات بالقوانين المحلية.
ووجهت انتقادات إلى دول خليجية أخرى كذلك لسوء معاملة العمال الأجانب منها الإمارات العربية حيث القت منظمة هيومان رايتس ووتش الضوء على مبالغ تفرض سرا وانتهاكات أخرى تفرض على العاملين في مشروع ثقافي بتكلفة 27 مليار دولار في أبوظبي سيستضيف فروعا لمتحف اللوفر ومتحف جوجانهايم.
لكن منظمات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان تقول إن قطر تتخلف عن دول خليجية اخرى فيما يتعلق بحماية العمال في ظل قانون الكفالة الذي ينظر إليه باعتباره الأكثر تقييدا في دول الخليج.
وعدلت الكويت والبحرين قواعد الكفالة بحيث يمكن للعاملين تغيير جهة العمل بعد قضاء ثلاث سنوات تحت رعاية كفيل في الكويت وبعد عام واحد في البحرين. وفي قطر تقول هيومان رايتس ووتش إن العاملين يحتاجون لموافقة الكفيل لتغيير العمل ايا كانت فترة عملهم ما يترك لاصحاب الأعمال سلطة اتهام من يتركون عملهم بالفارين ما يترتب عليه اعتقالهم وترحيلهم أو حرمانهم من تأشيرة الخروج.
ولم تستجب وزارة العمل القطرية لطلب رويترز اجراء حديث مع أحد المسؤولين عن موضوع العمالة. وقال حسين الملا وكيل الوزارة لصحيفة العرب المحلية في مايو أيار الماضي إن قطر تعتزم إلغاء نظام الكفالة واستبداله بنظام قائم على التعاقد. ولم يورد إطارا زمنيا لذلك.
ويقول نشطاء في المجال العمالي وحقوق الانسان إن السماح لهيومان رايتس ووتش إجراء مؤتمر صحفي في قطر هذا الشهر قد يكون إشارة على أن الحكومة حريصة على تحسين صورتها امام العالم قبيل البطولة وانها ستعمل على معالجة المشكلات.
ويضع قانون العمل القطري الذي أقر عام 2004 حدا لساعات العمل للعاملين المحليين والأجانب باستثناء العمالة المنزلية ويحدد مخصصات للرعاية الصحية والسلامة للعاملين. ويلزم أصحاب الأعمال بدفع الأجور في موعدها كل شهر ويمنع شركات التوظيف المرخص لها بالعمل في قطر من تقاضي اي رسوم من العاملين كما يمنع أصحاب الأعمال من مصادرة جوازات سفر العاملين ويفرض اشتراطات صارمة لإعاشة العاملين ويمنع تشغيلهم في ساعات الظهيرة في فصل الصيف.
لكن القانون لا يطبق بما فيه الكفاية ما يعني أن أصحاب الأعمال يمكنهم اختيار اساليب الحماية التي سيقدمونها للعاملين بكل جرأة.
وينص القانون كذلك على الا يزيد عدد العاملين المقيمين في غرفة واحدة عن اربعة وعدم استخدام الاسرة ذات الطوابق ويفرض على اصحاب العمل توفير مياه الشرب ومكيفات الهواء وتهوية صحية في جميع اماكن العمل.
لكن في ثلاثة مخيمات للعاملين زارتها رويترز كان ثمانية عمال يقيمون في غرفة واحدة صغيرة ينامون على أسرة ذات طوابق.
وقالت موتابارثي “القوانين موجودة. وهي تفصيلية بشكل جيد وهناك عقوبات كبيرة لانتهاكها لكنها لا تنفذ.”
وأضافت “ما يقوله مرارا وتكرارا المسؤولون في قطر إن هذه اعمال غير قانونية لذلك يجب ألا تحدث.”
ولم تبدأ بعد الأعمال الانشائية الخاصة بالتحضير لبطولة كأس العالم ما يعني ان العمالة الوافدة على قطر من المرجح ان تزيد بدرجة كبيرة في السنوات القليلة المقبلة.
ووضعت الحكومة القطرية التي تتوقع فائضا في ميزانية عام 2012-2013 بنسبة ثمانية بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وإيرادات قدرها 206 مليارات ريال من (56.6 مليار دولار) بفضل ازدهار إيرادات بيع الغاز الطبيعي المسال خطا سخية للاستثمارات العامة بقيمة 95 مليار دولار على مدى خمس سنوات حتى 2016 .
وستشمل هذه المشروعات شق الطرق ومواصلات عامة ومطار بتكلفة 11 مليار دولار وتسعة استادات مجهزة بتكنولوجيا تبريد و54 معسكرا للفرق الرياضية.
واقر حسن الذوادي الأمين العام للجنة العليا القطرية للتحضير لكأس العالم 2022 في وقت سابق هذا العام بوجود مشكلات عمالية لكنه قال إن قطر ملتزمة بالإصلاح وسيكون المقاولون مطالبين بضمان الالتزام بالمعايير الدولية للعمالة.
وطالبت هيومان رايتس ووتش اللجنة بمراقبة مستقلة لجميع المشروعات.
وقالت شركة الهندسة والانشاءات الأمريكية سي.اتش.2.أم هيل التي ستشرف على بناء استادات كأس العالم في قطر انها ستعمل مع اللجنة الحكومية على تطوير معايير تشغيل العمالة الاجنبية غير المسموح لها بالانضمام لنقابات في قطر.
وبالنسبة للدول الفقيرة مثل نيبال وبنجلادش تمثل تحويلات العاملين في الخليج مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية.
ولكن على عكس الإمارات التي بدأت نظاما الكترونيا لدفع الاجور في 2009 مازال أغلب العاملين في قطر يحصلون على أجورهم نقدا وليس عن طريق حسابات مصرفية ما يصعب معه مراقبتها.
ومثلت استضافة بطولات كاس العالم فرصا من قبل لتحسين أوضاع العمال في الدولة المضيفة كما حدث في جنوب افريقيا التي استضافت البطولة عام 2010 وفي البرازيل المقرر ان تستضيف البطولة في عام 2014.