مصر: ماذا بعد فوز مرسي؟
لماذا لم يفتحوا النار؟ لماذا وافق المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة، وإن بعد تردد، على انتخاب أحد قيادات حركة «الإخوان المسلمين» في منصب رئيس الجمهورية؟
السبب هو أن مصر بعد ٢٥ كانون الثاني/يناير ٢٠١١ تغيرت بشكل جذري، ولأن العودة إلى النظام السابق باتت مستحيلة. ولكن النضال مستمر وهذه الانتخابات ما هي إلا مرحلة في مسيرة طويلة بدأت مع سقوط الرئيس حسني مبارك.
لقد انتظر المصريون طويلاً، في أجواء ضاغطة، إعلان نتائج الدورة الثانية المفترض يوم الاربعاء وكانت النتائج الفرعية تصل تباعاً لتشير إلى أن محمد مرسي، مرشح الإخوان، هو الفائز.
رغم هذا بدت الأجواء مثقلة. خصم مرسي، الجنرال أحمد شفيق، تقدم بشكوى أمام اللجنة العليا لمراقبة الانتخابات الرئاسية. وفي نفس الوقت بدأت الصحف، التي يديرها نفس الأشخاص الذين كانوا في عهد مبارك، تبث الإشاعات والتسريبات. في الواقع قرار إعلان النتائج كان قد أفلت من أيدي اللجنة وبات في عهدة المجلس العسكري فقط الذي كان يحاول تقييم نتائح إعلان انتصار حاول أن يتجنبه، ووضع من أجل ذلك كل إمكانياته في كفة الجنرال شفيق.
هذا الرجل كان آخر رئيس وزراء مبارك، ويذكر الجميع لقاءه الشهير مع علاء الأسواني، كاتب رواية «بناية يعقوبيان»، الذي أحرجه بعدما أبرز عدد من الوثائق التي تثبت فساده وقاده للاستقالة.
يمثل شفيق ما اتفق على تسميته «فلول» النظام السابق ويجمع حوله كل الذين رضخوا في بداية الثورة وعادوا يناضلون لاستعادة كل امتيازاتهم، هؤلاء الذين لم ينسوا ولم يتعلموا.
بعد تردد طويل أعلن المجلس العسكري في ٢٤ الشهر فوز مرسي.
وسارع مرسي عقب إعلان فوزه بالاستقالة من تنظيم الإخوان (حزب الحرية والعدالة) وأكد أنه رئيس كل المصريين. لأول مرة في تارخ مصر يصبح مدنياً رئيساً للجمهورية.
لفهم أهمية هذا التغيير يكفي التنقل في شوارع القاهرة والاستماع إلى ما يقوله المارة خصوصاً الشباب. هم يرفضون العودة إلى الوراء وأن تصادر هذه السلطة. إنه جيل الثورة. إن عهد الديكتاتوريات العسكرية ولى.
ولكن هؤلاء الشباب، الذين يحتفلون في الشوارع مقنعين في بعض الأحيان، يرقصون أو يحملون على الأكتاف قبطياً علق صليباً كبيراً على صدره يحتفل بخسارة الجنرال، يبدون كأنهم جحافل ملتحين يغزون العالم المتحضر.
إلا أن الفارق في أصوات فوز مرسي الذي يقارب المليون صوت في مواجهته مع شفيق ممثل النظام السابق الذي نزل الشعب إلى الشوارع للإطاحة به، يدل على نسبة النفور لدى الشعب المصري من «الإخوان المسلمين» ويشير إلى التناقض الحاصل اليوم في تلك المرحلة الانتقالية.
لننظر إلى نتائج الدورة الأولى حين وصل مرسي في المقدمة بفارق أصوات بسيط وتبعه شفيق بينما حصل حمدين صباح الناصري على ما يعادل الـ٢٠ في المئة وأبو الفتوح على ١٧،٥ في المئة بحيث حصل المقربون من الثورة مجتمعين على حوالي الـ ٤٠ في المئة، ولكن لم يقدروا على الوصول إلى الدورة الثانية.
ما العمل في هذه الحالة؟ كتب الأسواني يقول إن الخيار واضح٬ «لسنا مع مرسي نحن مع الثورة». مصطفى علي كتب أيضاً بشكل أوضح «بأنه يجب عدم السقوط في فخ منظمة الإخوان التي تبدو وكأنها تدعم الثورة، فهي كانت شريكة مع النظام السابق وتحاول سحق الثورة بالكامل».
إن شبح نظام ديني يفرضه الإخوان موجود بالفعل. رغم هذا فإن هدف القوى الثورية ما زال إسقاط حكم العسكر الذي يمسك بكافة مقاليد السلطة، ويفسر هذا إنشاء جبهة واسعة في ٢٢ حزيران/يونيو حين وقف مرسي ووائل غنيم والأسواني وتعهدوا بالعمل في مواجهة المجلس العسكري، والتصدي لقراراته التي صدرت قبل اسبوعين من الانتخابات.
الخطأ الكبير بعد اسقاط مبارك كان القبول بإبقاء السلطة في يد المجلس العسكري. فهو ألغى قانون البرلمان وحله وسمح بترشح رجال النظام السابق ما سمح لشفيق بالبقاء في الدورة الثانية.
حمدين صبحي الذي كان يؤدي العمرة في مكة المكرمة امتنع عن انتقاد الجيش بسبب عقيدته الناصرية، في المقابل فإن أبو الفتوح يسعى لإنشاء جبهة واسعة تتصدى للجيش. وتاريخ أبو الفتوح مثير إذ أنه استطاع الحصول على تأييد السلفيين في الدورة الأولى وجمع حوله من شتى التوجهات بينهم ماركسيون، بسبب خوفه من سيطرة الإخوان المسلمين. وبالنسبة له كان الخيار سهل في الدورة الثانية فإما عودة النظام القديم بانتخاب جنرال أو انتخاب مدني كمقدمة مسار إسقاط الحكم العسكري.
خلال هذه الفترة شدد المجلس العسكري من قبضته على الحكم، فيما كان الجنرال شفيق يعمل على التخويف من ديكتاتورية إسلامية مثل تسريب الشائعات حول تعدد الزوجات أو خصخصة قناة السويس التي أممها عبد الناصر، أو رغبة الإسلاميين بتحويل الجيش إلى جيش شبيه بالجيش الإيراني، أو فرض «جزية» على الأقباط.
ويجب الاعتراف بأن هذه الدعايات نجحت في جلب ١٢ مليون صوت لممثل النظام السابق.
في الواقع يدفع الإخوان ثمن ترددهم فهم لم ينزلوا إلى الشارع إلا في ٢٨ يناير أي ثلاثة أيام بعد بدء التظاهرات وإن هم لعبوا بعد ذلك دوراً في التصدي لهجمات الشرطة. ولكن ما أن سقط مبارك حتى حاول الإخوان إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم مع المجلس العسكري. وبما أنهم كانوا يريدون إجراء انتخابات بأي ثمن كان فهم اتهموا شباب الثوار بتصرفات غير مسؤولة.
وبعد فوزهم بالانتخابات البرلمانية أظهروا توجها للهيمنة سببت بابتعاد العديد من مناصريهم. ثم قرروا المشاركة في الانتخابات الرئاسية رغم إعلانهم السابق بأنهم لن يشاركوا فيها ما زاد من خوف الفئات الأخرى. وبسبب رفض عدد من القوى مشاركة الإسلاميين في العمل البرلماني يمكن القول ان الفريقين يتشاركان في مسؤولية فشل العمل البرلماني، وكتب «فهمي هويدي» يقول بأن الخلاف ليس بين علمانيين وإسلاميين ولكن بين الديموقراطيين ومؤيدي النظام السابق.
يمكن اعتبار قبول الإسلاميين المشاركة في تجمع ٢٢ حزيران/يونيو اعترافا بأنهم منعزلون عن باقي القوى الديموقراطية وتعهد بمحاربة العسكر. ولكن الآن وقد بات مرشحهم رئيساً ألن يسعوا للاتفاق مع المجلس العسكري؟ ماذا سوف يكون مسار كتابة الدستور الجديد؟
أسئلة كثيرة ما زالت على بساط الطرح، ومع ذلك فإن ٢٤ حزيران/يونيو سوف يكون معلماً في تاريح مصر الحديث على طريق التخلص من النظام السابق وخصوصاً وضع يد فئة صغيرة على اقتصاد البلاد.
Alain Gresh