يوجد تناقض كبير بين تصريحات البيت الأبيض الأخيرة حول قدرة بشار الأسد على الصمود بعد ما يقارب الـ١٦ شهراً من الانتفاضة على حكمه، وبين ما تقوله عناصر المخابرات الأميركية.
فمن جهة، يقول «حاي كارني» (Jay Carney)، الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، إن إشارت إفلات زمام الأمور من يدي بشار بدأت تتراكم، ومن جهة أخرى فإن كبار العاملين في المخابرات لا يرون «سوى بعض التفسخ» في هرم السلطة السورية.
أسرّ المتحدث باسم باراك حسين أوباما لبعض الصحافيين الذين رافقوا الرئيس في إحدى جولاته الانتخابية، بأن «نظام بشار الأسد يفقد رويداً رويداً سيطرته على البلاد». بالنسبة لـ«كارني»، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء رويتز، فإن «انشقاق كبار الضباط» والاشتباكات التي دارت الثلاثاء في محيط الحرس الجمهوري قرب دمشق، هي كلها «إشارات واضحة» على تراجع سلطة الأسد.
ولكن لسوء الحظ، جاءت في نفس الوقت برقية ثانية من نفس وكالة رويترز صادرة من واشنطن، تفيد بأن المنشقين هم جنود وبعض الرتباء ولكن ليس بينهم ضباط. وتقول نفس المصادر الاستخباراتية إن ا«الحلقة الأولى المحيطة ببشار والحلقة الثانية» ما تزالان ملتفتين حول الرئيس بقوة. ويقود هذا الاستخبارات الأميركية لاستخلاص نتيجة مفادها «إن الرئيس الأسد لن يسقط قريباً».
وهذا هو نفس التحليل الذي يتوصل له «الموساد». وقال لنا ديبلوماسي اسرائيلي مشيراً إلى تقييم أجهزة بلاده، «إننا لا نرى سوى بعض التشققات».
وهذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها تناقض بين تحليلات السياسيين وتحليلات الأجهزة الأمنية. ولا يحصل هذا فقط في الولايات المتحدة أو إسرائيل، حيث يتذكر الجميع تصريح إيهود باراك في كانون الثاني/ يناير حين قال إن النظام سوف ينهار.
في فرنسا أيضاً، في تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة الماضية، نذكر ما قاله وزير الخارجية آنذاك «ألان جوبيه» مؤكداً بأن «أيام نظام الأسد باتت معدودة». في حين كانت كل التقارير الآتية من السفارة الفرنسية في دمشق لا تشير إلى أي من هذه التوجهات.
ومن نافل القول إن «الآذان الكبرى» (المخابرات) هي التي تأتي بالأخبار الصحيحة، ويقول أحد ضباط الأجهزة في باريس «إننا نقيم الوضع كما هو». وكذلك هو الأمر مع الديبلوماسيين الذين يتركون الأمر في النهاية للسياسيين الذين يمارسون «تحليلات التمنيات».