جنيف: حل للأزمة السورية تحت مظلة «الحرب الباردة»
باريس – بسّام الطيارة
سال كثير من الحبر حول لقاء جنيف وصدرت تصريحات عديدة ودخل «تويتر» على خط التسريبات دون أن يتبين، ٢٤ ساعة قبل اللقاء، الخيط الأبيض للاتفاق الروسي الأميركية من الخيط الأسود لمعارضي أي اتفاق.
فيما يقول المراقبون في العاصمة الفرنسية بان اجتماع وزراء خارجية القوى الدولية في جنيف يوم السبت هي «محاولة» لا أكثر ولا أقل لإيجاد استراتيجية خروج من مأزق الأزمة السورية، يقول خبراء بأن هذه الأزمة بدأت تتمدد لتأخذ أبعاداً تطال المنطقة وتهدد الأمن فيها وتؤثر على العلاقات الدولية خصوصاً العلاقات الأميركية الروسية. ومن هنا فإن المحاولة «المشتركة» لإنهاء إراقة الدماء في سوريا تنبع من مصالح دولية أكثر من أن تكون وليدة اهتمام بما يعيشه الشعب السوري منذ ١٦ شهراً.
خطة المبعوث الدولي كوفي أنان التي كان قد طرحها عبر «ورقة» وأردفها بمقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في اليوم التالي لما اعتبره «موافقة روسية على طروحاته» بدت هذه الخطة «هزيلة» كما وصفها ديبلوماسي أوروبي لـ«برس نت» طالباً كتم هويته. ويشرح الديبلوماسي بأن موافقة الروس على هذه الخطة «كما يفهمها الغرب غير مضمونة» ويستطرد بالشرح فيقول «إما إن موسكو تلعب على الكلام أو أنها غيرت رأيها». ويرى الديبلوماسي أن الروس يأخذون من هذه المبادرة ما يحلو لهم ويتركون ما لا يتوافق مع مصلحتهم. فهم يفسرون قول أنان حول «ضرورة أن يقود السوريون أي انتقال للسلطة» على أنها دعوة لـ«بقاء النظام وقيادة بشار الأسد للمرحلة الانتقالية». ويستعملون تبريراً لهذه القراءة تلويح أنان بأن «العد التنازلي سوف يصل إلى نقطة اللاعودة» أي حرب إقليمية.
ويتابع الديبلوماسي قائلاً «إن الروس يقفزون عن طلب أنان استبعاد من يمكن أن تقوض مشاركتهم في أي حكومة وطنية مصداقية عملية الانتقال» التي يفسرها الغرب بأنها «استبعاد كل من شارك في القتل والتخطيط لعمليات القمع» ويشير مواربة إلى «لائحة الـ ١٠٠» أي أسماء المسؤولين الموضوعة على لائحة العقوبات. وبالمقابل حين يقول أنان بضرورة أن ««تتضمن العملية أيضاً حوارا وطنيا» فالروس يرون في ذلك «ديمومة للنظام وحواراً بينه وبين المعارضة».
الانتقادات الغربية باتت تصب باتجاه المبعوث الدولي الذي يرى البعض أن إما أن يكون «تسرع في إعلان موافقة موسكو» ما قاد إلى الإعلان عن اجتماع جنيف أو أن يكون «قد استعمل لغة مزدوجة وصولاً إلى موافقة القوى» على هذا الاجتماع. ولكن لا يستبعد الديبلوماسي «تكتيك روسي لتلوين الاجتماع بأنه موافقة أميركية هلى طروحات روسيا»، والضغط على الجانب الأميركية مع وصل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية إلى سان بطرسبورغ وصولاً إلى استبعاد المعارضة عن اللقاء.
وقد تباحث أمس وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مع رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا الذي استقبله في «الكي دورسيه». وحسب الناطق الرسمي للوزارة الخارجية برنار فاليرو فإن اللقاء تمحور حول نقطتين: اجتماع جنيف حيث سوف تكون المعارضة مستبعدة ومؤتمر «أصدقاء الشعب السوري».
ومن المعروف أن باريس تطالب بـ«العودة إلى مجلس الأمن لوضع خطة أنان تحت الفصل السابع» ما يسمح بالستعمال القوة وفرض عقوبات على الأطراف الممانعة أو المعرقلة لتنفيذ بنود الخطة. وهو بالطبع ما تعارضه موسكو وما يستبعد الوصول إليه في جنيف، إذ يعتبره الروس «تدخلاً اجنبياً في السيادة السورية وحلاً مفروضاً من الخارج».
وقد كرر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تقييمه المتفائل بعد اجتماعه مع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون على العشاء في سان بطرسبورغ أمس، بقوله للصحفيين «لدينا فرصة جيدة للغاية للتوصل إلى تفاهم مشترك في المؤتمر غداً» محذراً من « محاولة فرض نتيجة مسبقة على عملية التحول السياسي» لأن «نتائج ستكون عكسية».
ولكن لهذا التفاؤل رغم تصريحات أميركية مشككة، تبريرات ترتبط بمصالح أميركية وروسية.
إذ رغم أن صدى «فشل الخبراء المجتمعين في جنيف» لتحضير «مسودة اتفاق» في التوصل إلى نتيجة كان قد وصل إلى الوزيرين إلا أن لافروف أضاف «شعرت بتغير في موقف هيلاري كلينتون. لا توجد إنذارات. ولم يذكر شيء عن أن الوثيقة التي سنناقشها في جنيف لا يمكن المساس بها».
واوضح نائبه جينادي جاتيلوف وجهة نظر موسكو بشأن إجبار الأسد على التنحي عبر «تغريدة» على تويتر كتب فيها «شركاءنا الغربيين يريدون أن يقرروا بأنفسهم نتيجة العملية السياسية في سوريا رغم أن تلك هي مهمة السوريين». يقول الديبلوماسيون الأميركيون «توجد صعوبات ولكن توجد إمكانيات للتوصل إلى تسوية». ويعطون دليلاً على ذلك الوصول إلى تسوية حول «استبعاد إيران مقابل استبعاد السعودية».
ورغم حضور اليوم وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وهي روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا إلى جانب نظرائهم من تركيا والكويت وقطر والعراق بالاضافة الى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة ونبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية، فإن أنظار الخبراء تتطلع إلى «القطبين: أميركا وروسيا».
ويشرح خبير لـ«برس نت» بأن الحالة الروسية باتت بين أيدي موسكو وواشنطن بعد أن لامست الأزمة الخط الأحمر وأن المفاوضات تتجاوز في الواقع «الرقعة السورية» وباتت تشمل العديد من النقاط التي تطال مصالح القطبين. ويشدد الخبير على أن أوباما «بحاجة لانتصار ديبلوماسي قبل الانتخابات» وأن بوتين يسعى للاستفادة من «نافذة هذه الرغبة بالوصول إلى شبه حل» للفرض خروج، ولو مؤقت، من الأزمة يأخذ بعين الاعتبار «مصالح روسيا في المنطقة».
ويشدد الخبير على أن عدد من القوى المؤثرة لا ترى بعين الرضا توافق موسكو وواشنطن ويعطي مثالاً على ذلك قطر والسعودية وبنسبة أقل فرنسا التي «ذهبت بعيداً في دعم شق من المعارضة»، وهذه الدول لا «تربح» شيئاً من الوصول إلى حل سريع لا يؤدي إلى ما تطالب به «أي سقوط النظام وتنحي الأسد». بينما يؤكد الخبير أن تركيا والعراق راغبتان بالوصول إلى «حل سريع» يبعد شبح القتال عن حدودهما. وتدرك موسكو بأن الاتفاق مع واشنطن كفيل بـ«سد الباب التركي أمام تدفق الأسلحة وتضيق سبل تدفقها عبر الحدود الأردنية».
ويشير الخبير إلى أن أميركا باتت تأخذ بعين الاعتبار المصالح الروسية في المنطقة وهي لا تنحصر بقاعدة طرطوس البحرية ويعدد بعضها مثل «حالات زواج ما يزيد عن خمسين ألف روسي أو روسية مع سوريين» ووجود ما يزيد عن «١٢ ألف خبير وتقني روسي في مختلف الإدارات والمنشأات» وليس فقط القواعد العسكرية. ويقول بأن واشنطن التقطت إشارة «إسقاط الطائرة التركية» وفهمت مغزاها بأن موسكو مستعدة للذهاب بعيداً للدفاع عن مصالح تتجاوز بكثير الدفاع عن الأسد ومحيطه. من هنا يتفاءل الخبير بوجود «أجواء تسمح بحل على طراز حلول حخقبة الحرب الباردة» بين الجبارين.