تغيير جذري في مقاربة باريس للأزمة السورية
باريس – بسّام الطيارة
تستعد باريس لاستقبال المؤتمر الثالث لـ«أصدقاء الشعب السوري» بعيداً عن الجدل الذي يدور حول «بيان جنيف» ولكن مع إدخال «لمسات واضحة وجدية» على المقاربة للملف السوري في ظل الحكومة الجديدة للعهد الجديد مع ما يشكل ذلك من منعطف في محور التعامل مع الأزمة السورية. يمكن القول إن هذه المقاربة الجديدة تتميز بعدة عوامل أساسية تشير إلى «الديبلوماسية الهولاندية الاستيعابية» التي حلت محل «لديبلوماسية الساركوزية الصدامية».
تعتمد هذه المقاربة الجديدة في التخلي عن مبدأ «حصرية تمثيل المعارضة بالمجلس الوطني السوري» كما كان عهد ديبلوماسية جوبيه. لوران فابيوس الوزير الجديد في الكي دورسيه يبدو أكثر انفتاحاً على «مختلف أطراف المعارضة». وكشف مصدر ديبلوماسي لـ«برس نت» أنه تم دعوة «عدد كبير من معارضة الداخل أو ممثليها» لحضور المؤتمر من تنسيقيات إلى شخصيات معارضة من كافة المدن السورية للإدلاء بشهادات حول ما يحصل على الأرض، والتي عملت السفارة الفرنسية في لبنان حسب أكثر من مصدر على تفعيل التواصل معها. كما تمت دعوة «من تواجد في القاهرة في اللقاء الأخير» حسب تعبير متابع للتحضيرات، ولأول مرة دعيت هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديمقراطي. كما سوف يلقي كلمة ناطق باسم مؤتمر القاهرة ليوازي الكلمة التي يلقيها عبد الباسط سيدا الرئيس الحالي للمجلس الوطني. ويدل كل هذا على انتقال وزن المعارضة من الخارج إلى الداخل ليعكس ميزان القوى الفعلية على الأرض من جهة وكردة فعل على الانتقادات المتكررة لهيمنة الإخوان المسلمين على هيكلية المجلس الوطني.
التحول الجديد في الديبلوماسية الفرنسية مبني أيضاً على براغماتية في التعامل مع «التصلب الروسي» والعدول عن «التشهير بموقف موسكو» والعمل على «استيعاب هذا التصلب ومرافقة إيجابيات الموقف الروسي» والعمل الدؤوب على التناقض الذي بات واضحاً بين «قناعة الروس بأن عهد بشار قد انتهى» وبين ديبلوماسية المصالح «التي يمكن تفهمها». ويقول ديبلوماسي أجرى لقاءات عديدة مع مسؤولين روس في الأيام الأخيرة إنه لاحظ «تآكلاً في موقف الدعم الأعمى لبشار» وإنه يمكن تحسس «تغييراً في تقديرهم لحظوظ بشار بالبقاء» إذ لم يعد أي من محدثي الديبلوماسي يقول «بخروج نظام بشار منتصراً على المعارضة».
ويبدو أن الديبلوماسية الفرنسية تبني على هذا «التطور الداخلي الروسي» لاستيعاب تصلب موسكو ودفعها لتغيير موقفها. ويقول الديبلوماسي إن «ميزان القوى على الأرض يتغير» وبالتالي فإن موقف موسكو حسب قراءة فرنسية يتغير.
وقد ظهرت جلياً برغماتية الديبلوماسية الفرنسية الجديدة عبر ردة فعل فابيوس ومجمل الطواقم الديبلوماسية ومنها الناطق الرسمي للكي دوريسيه «برنار فاليرو» على «تفسير بيان جنيف».
في حين ندد المجلس الوطني بالبيان واعتبر أنه إهانة، أرادت الديبلوماسية الفرنسية اعتبار البيان «خطوة إيجابية» رغم عدم وجود «نص صريح على ضرورة تنحي بشار الأسد»، على اعتبار أن الأمر «مجرد قراءة مختلفة لما يقوله البيان»، ويفسر ديبلوماسي متابع للملف شرط عدم ذكر هويته بأن الاتفاق مع الروس والذي انتج البيان يقضي بالتوصل إلى «حكومة إنتقالية تمسك بالسلطة الأساسية» ولا يأتي الاتفاق على ذكر بشار الأسد ولكنه يشدد على أن اختيار الحكومة يكون «بتوافق الفرقاء المتبادلة». وهو ما أشار إليه فابيوس بعملية «برهان منطقية كارتيزية» بقوله «بما أن المعارضة ترفض بشار ولا تقبل به فهذا يعني أن الأسد قد انتهى فعلياً في مدى منظور».
ويتابع الديبلوماسي بأن موتمر باريس الذي سوف يفتتحه الرئيس فرانسوا هولاند سوف «يتمسك بهذه القراءة» وسوف يعمل على تسويقها لدى المعارضة بكافة أجنحتها في محاولة «لاستدراج موقف إيجابي روسي» حسب قوله. وفي حال تم إيجاد أرضية مشتركة لهذه القراءة في المؤتمر الذي سوف يضم أكثر من ١٠٠ دولة فإن البيان النهائي يمكنه أن «يحمل تلك القراءة ويدعو مجلس الأمن لتبنيها». ويقل مقرب من هذا الملف بأن «وجود إشارة مباشرة لطلب تنحية بشار الأسد كان دائما بمثابة خرقة حمراء بوجه الثور الروسي» وبالتالي تعتبر الديبلوماسية بأن غياب أي إشارة لتنحي بشار في القراءة الجديدة يمكن أن يسهل قبول موسكو بـ«تبني مجلس الأمن لبيان جنيف».
ويشير الديبلوماسي إلى أن تبني الغرب لنفس الهواجس الروسية لـ«فترة ما بعد الأسد» والخوف المشترك من «فوضى وفراغ يعبئه التطرف السلفي» يساعد على «مواكبة التحول الروسي خصوصاً وأن الفرنسيين يشاركون الروس بقوة في تقييم الخطر السلفي. ويقول الديبلوماسي بأن رسالة باريس بضرورة «حسم مسألة نظام بشار الأسد قبل أن يزداد الحراك الثوري راديكالية وعنفاً» بدأت تعطي مفعولها في أالدوائر الروسية ووسط المستعربين الروس الممسكين بالديبلوماسية في موسكو الذين كانوا في السابق يقولون وهم ينظرون إلى بلاد القوقاز ووسط آسيا بأن «النظام السوري هو أفضل حاجز لمنع التمدد الإسلامي الإرهابي».