الرئيسية » رأي » فداء عيتاني »

حلب ليست كما يصفها الاصدقاء (3)

فداء عيتاني

قبل مئات الامتار من الوصول الى الحاجز الامني جنوب مدينة حلب يطلب احد الركاب في سيارة التكسي النزول جانبا، ينزل على مفترق فرعي ويختفي مع اغراضه بينما تتابع سيارة التكسي طريقها نحو الحاجز، الذي يوقفها ويبدأ في البحث في متاعنا كما كل الحواجز الكثيرة التي مررنا عليها.

الجندي الشاب الذي يقف على الحاجز والذي يبحث في كل الحقائب يسأل السائق عن اي طريق اتيتم من لبنان، فيجيبه عن طريق القصير – الرستن. “القصير؟” يسأل الشاب بابتسامة، “انا من القصير، كيف الاوضاع هناك؟” “عادية، كل شيء بخير” يجيب السائق حول المنطقة التي شاهدنا على طريقها العام ستة دبابات T 55 مدمرة تدميرا كاملا قرب حواجز القوات النظامية والامن، وحيث نمت ذقون المقاتلين والضباط والعناصر المتطوعة، وكفوا عن ارتداء الزي النظام وشارات الرتب، وباتوا يحملون اسلحتهم كل الوقت مثل جنود في درجة استنفار رقم صفر جاهزون لاطلاق النار في اية لحظة.

“عادية، كل شيء بخير” يقول السائق، فيخبره الجندي القصيري “منذ تسعة اشهر لم احصل على اجازة لازور اهلي في القصير”.

حلب في منتصف النهار: ازدحام وكثرة بائعين، ومتجولين، سيارات كثيرة تجوب الشوارع، المناطق الفقيرة حية، وتنبض، الخضار على اطراف الشوارع والازقة، بيع وشراء للمواد الغذائية، كل شيء بخير، لقد صدق الذين يخبرونك بان المدينة تعيش حالة طبيعية، الى الان بعض من رجال الامن بثياب مدنية في الشوارع، والعديد من رجال الشرطة بدراجاتهم النارية او سياراتهم، هؤلاء لا يشيرون الى حالة غير طبيعية، بل على العكس، وجودهم دليل انتظام الامور وسير الحياة بشكل طبيعي. ولكن الصورة لن تكتمل في الدقائق الاولى لدخول الشهباء.

سائق التاكسي يصر على تأميني، لا يعرف عن هويتي الا بضعة اكاذيب اطلقتها على الحواجز النظامية لاسهل عبوري الى الشهباء، واي خطأ هنا يعني الموت المباشر، من المعلومات التي جمعتها قبل الانطلاق كان يمكن القول بان لكل حاجز امني سلطة حكم ذاتي، يمكنه ان يتحول الى محكمة ميدانية تقرر خلال ثوان وتنفذ حكمها، والحكم اما اعدام واما تسهيل مرور، وان اي خطأ او معلومة تفيد بان العابر هو صحافي يعني الموت المباشر، ولاحقا يمكن الصاق التهمة بالطرف الاخر.

على الاقل هذا ما جمعته من معلومات، وان كان هدف الزيارة الاول هو تدقيق كل ما سمعناه وشاهدناه من معلومات حول النظام والثورة.

يصر السائق على ايصالي الى فندقي، امتنع واطلب منه ايصالي الى الموقف الرسمي مع الشكر، اقدم له القليل من المال الاضافي حتى لا اثير شكوكه بمبلغ كبير، يبدو الرجل قد استنتج ببساطة انني لست تاجرا ولا اقصد مدينته للتجارة والاعمال، يواصل مساعدتي حين نصل الى الموقف، ارغب بشدة باعتبار ما يقوم به مجرد كرم اخلاق، وينتابني الرعب من ان صاحبي السائق متعاون مع المخابرات السورية، يساعدني في تعبئة رصيد هاتفي السوري مخافة ان اتعرض للخداع، ثم يوصلني الى مقهى ومطعم شعبي تراكمت على طاولاته الاوساخ وبقع القهوة وبقايا الفلافل، يجهد صبي بائع القهوة في تنظيف طاولة، ويصر السائق على دفع ثمن فنجان قهوتي، ثم يتركني بسلام.

اترك المقهى واسير وحقيبتي على ظهري نحو مكان اللقاء باصدقاء من حلب سيستضيفونني ريثما اجد طريقي نحو مناطق الجيش الحر، في الازقة والطرقات حيث تنتشر بسطات الخضار والمحال التجارية الفقيرة يكثر الباعة، والعابرون، ولكن عمليات الشراء نادرة، الصورة اوضح الان مع السير على الاقدام والتلكوء امام المحال التجارية، البائعون يقفون امام محالهم او داخلها ولا عمليات بيع، واصحاب البسطات التي تبيع الخضار والادوات الكهربائية البسيطة والاختراعات الصينية الكمالية، والعاب الاطفال الرخصية، او السكاكين والشوك والملاعق لا تشهد عمليات بيع، بل ملل يدفع بالبائعين الى الثرثرة مع اي كان، او الصراخ لجذب انتباه المارة الى سلعهم.

كثر هم اولئك الذين يسيرون في الحديقة، او يستظلون بظل شجرة وارفة، يبحثون عن نسمة هواء في صيف حار، وسط الظهيرة والشمس الحادة، والرطوبة المنخفضة الى حد خانق، ومن السيارة التي تقلني، يتولى مضيفي شرح الامور، والتجوال الطويل في المناطق قبل الانتقال الى المنزل، حوالي الساعة من التجوال في الشوارع الحلبية، هنا مقر المخابرات الجوية، وقد سدت منافذه بكتل الاسمنت الضخمة، وتم منع السيارات من العبور، مقر الامن العام كذلك الامر، اغلق امام حركة السير، هنا شارع فرعي ندخله ولكن نكتشف انه اغلق بالكتل الاسمنتية نفسها، “امس مررت من هنا وكان الشارع سالكا، لا اعرف اي مقر رسمي هنا ولا اعرف لماذا اغلق الشارع” يقول مضيفي.

الحياة ليست على ما يرام هنا، المئات من عناصر الامن المسلحين، يقفون امام كل مركز في المدينة، الشوارع الرئيسية والطرق الداخلية في المناطق المتوسطة خالية، شارعين ربما او ثلاثة تعمر بالمقاهي الحديثة، وفيها الشبان والشابات يجلسون داخل المحال المكيفة الهواء، ويحتسون الشاي او القهوة ويبدون ضاحكين. “انتظر حتى الغروب، لن  ترى احدا في الشوارع عندها” يعلق مضيفي على مظاهر الحياة الطبيعية.

لم تخل الشوارع بسبب حر الظهيرة، سيارات الامن المنتشرة، عناصر المخابرات في سيارات الشرطة وهم يجلسون في المقاعد الخلفية بينما الشرطي يقف قريبا من سيارته، الطرق المغلقة، العربات المضادة للرصاص امام مقر المحافظ، المواطنون الذين لا يكترثون بنظام السير وبالاشارات الضوئية، ويسيرون في الطرق عكس اتجاه السير، المئات الذين يقفون في طوابير فوضوية امام الافران وينتظرون دورهم في الحصول على ربطة الخبز بالسعر الرسمي، الباعة الواقفون على مبعدة امتار من الافران والذين يبيعون ربطات الخبز بسعر مضاعف، محطات الوقود (الكازيات) التي لا تبيع الوقود من بنزين او مازوت، مئات الشبان المنتشرين في ساحة سعد الله الجابري من الشبيحة، الذين يفترض ان يمنعوا اية تظاهرة من الوصول او الانطلاق من الساحة الاكبر والاهم والاكثر رمزية في المدينة، وهم يخفون اسلحتهم الرشاشة في خيم نصبت في الساحة ورفع عليها العلم السوري او في بسطات وقف قرب كل منها شابين وتحتها اخفيت الاسلحة الرشاشة. كل ذلك يشير الى ان المدينة في حالة حرب سرية.

ليلا ومن منزل على تخوم الشهباء يصدر صوت انفجار يليه اخرين، للحظة الكل اعتبر ان الامر عبارة عن ضرب حاجز، وللوهلة الاولى لم اتوقع تماما ما يحصل، ثم تتكرر اصوات الانفجارات، انها مدفعية الهاوتزر، او الميدان، تطلق قذائفها نحو مواقع الثوار وقراهم، سرية من المدفعية الثقيلة (ثلاثة مدافع) ترمي بتسلسل ثلاث من قذائفها، قبل ان نسمع اصوات انفجارهم في مناطق قريبة، قد تكون الاتارب، او اي موقع اخر محاصر، او قرى ثار اهلها مؤخرا.

انها انفجارات في قلب العاصمة.

انها عمليات نوعية للثوار.

تفجير في مقرات للنظام.

انشقاق جنود ومحاولتهم الفرار واشتباكهم مع اخرين.

وعشرات التفسيرات الاخرى التي صدرت على الانترنت وفي الغرفة حول اصوات القصف التي يسمعها ابناء حلب للمرة الاولى منذ بدء الثورة في 15 اذار من العام 2011. ولم تبد العائلة التي تستضيفني كبير حماسة للتفسير الذي قدمته: مجرد قصف مدفعي من عيار 130 على الارجح يمكنه ان يطال بمدى اقصى 38 كيلومترا، وان القصف يصدر من مكان ما من مدينة حلب بحسب الصوت ولمعة الاضاءة، ويتوجه نحو المناطق الغربية.

كانت تلك الليلة الاولى لابناء الشهباء مع القصف المدفعي الصادر من مدينتهم، والتي اعلن عنها المؤيدين للنظام بصفتها ليلة للتجارب التقنية، وكانت ايضا الليلة الاولى للاتارب مع القذائف المدفعية المنهمرة عليها من مدينة حلب.

بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings