سوريا: قتال في الداخل وصراع في الخارج
لا تزال وتيرة التطورات الميدانية تتسارع في سوريا مع اعلان القوات النظامية الجمعة شن “هجوم مضاد” لاستعادة السيطرة على احياء في دمشق اثر مواجهات عنيفة، في موازاة حديث ناشطين عن معارك للمرة الاولى تشهدها مدينة حلب.
وبعيد تصويت مجلس الامن الجمعة على تمديد مهمة المراقبين الدوليين في سوريا ثلاثين يوما “لمرة اخيرة”، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدول الغربية من اي تحرك في سوريا خارج اطار مجلس الامن.
وقال مصدر امني لفرانس برس الجمعة ان الجيش السوري النظامي يشن هجوما مضادا شاملا لاستعادة السيطرة على كل الاحياء المناهضة للنظام في العاصمة السورية، مؤكدا ان “الجيش يشن منذ مساء امس الخميس هجوما مضادا لاستعادة السيطرة على الاحياء التي تسلل اليها الارهابيون من اجل ضمان امن المواطنين والسماح لهم بالعودة الى منازلهم”.
وكان التلفزيون السوري اعلن ان الجيش النظامي “طهر” الجمعة حي الميدان القريب من وسط العاصمة من “الارهابيين” بعد معارك عنيفة.
من جهته افاد المرصد السوري لحقوق الانسان في بيان تلقته وكالة فرانس برس عن “سماع اصوات عدة انفجارات في حي الميدان”، مشيرا الى ان “قوات نظامية تضم دبابات وناقلات جند مدرعة اقتحمت الحي”.
الى ذلك، قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان احياء مدينة حلب في شمال سوريا تشهد للمرة الاولى معارك عنيفة بين الجيش النظامي والمقاتلين المعارضين.
واوضح عبد الرحمن ان المعارك بدأت منذ مساء الخميس وتشمل “احياء صلاح الدين والاعظمية والاكرمية وارض الصباغ بالاضافة الى مدينة الباب”.
والجمعة اقامت السلطات السورية تشييعا رسميا للمسؤولين الكبار الثلاثة الذين قضوا في انفجار استهدف مبنى الامن القومي في دمشق الاربعاء بحضور نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع، بحسب ما افادت وكالة الانباء الرسمية (سانا).
وذكرت الوكالة ان دمشق شيعت “في موكب رسمي مهيب صباح اليوم (الجمعة) من صرح الشهيد في جبل قاسيون (المطل على دمشق) الشهداء الابطال” معاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن توركماني ووزير الدفاع العماد داوود عبد الله راجحة ونائبه العماد اصف محمود شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الاسد.
ولفت غياب الرئيس السوري عن التشييع.
وفي السياق نفسه، اعلن حزب البعث الحاكم وفاة رئيس مكتب الامن القومي هشام اختيار الجمعة متأثرا بجروح اصيب بها في تفجير مبنى الامن القومي.
من جهة اخرى، استخدمت قوات الامن السورية الرصاص الحي لمواجهة السوريين الذين تظاهروا اليوم في مدن ومناطق مختلفة تحت عنوان “جمعة رمضان النصر سيكتب في دمشق” وخصوصا في دمشق وحماه وحلب ودرعا (جنوب)، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان وناشطين.
ولفت المرصد الى ان خروج تظاهرات من مساجد عدة في منطقة المزة في دمشق “طالبت باسقاط النظام واعدام الرئيس السوري”، بالاضافة الى خروج تظاهرات في حي كفرسوسة وفي دمر بينما سمعت اصوات اطلاق رصاص في حي ركن الدين الذي شهد تظاهرة.
وقال رامي عبد الرحمن في اتصال مع فرانس برس ان تظاهرات عدة انطلقت من مساجد حي الميدان على الرغم من اقتحامه من قبل القوات النظامية.
وفي محافظة حلب، اطلقت القوات النظامية الرصاص الحي لتفريق تظاهرة حاشدة في حي الشعار ما ادى الى سقوط عدد من الشهداء والجرحى، بحسب المرصد.
من جهتها، افادت الهيئة العامة للثورة السوية ان منطقة الحولة في حمص تعرضت للقصف تزامنا مع انطلاق التظاهرات.
وبلغت حصيلة اعمال العنف في سوريا الجمعة 80 قتيلا هم 15 مقاتلا معارضا و65 مدنيا في دمشق وريفها ودرعا وحلب وادلب وحمص، وذلك غداة يوم فاق عدد القتلى فيه 300 شخص غالبيتهم من المدنيين، ما يشكل اعلى حصيلة يومية منذ بدء الانتفاضة الشعبية ضد النظام السوري قبل 16 شهرا، بحسب ما افاد المرصد السوري.
سياسيا، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة الدول الكبرى الغربية من القيام باي تحرك ضد النظام السوري خارج اطار مجلس الامن الدولي، بحسب ما اعلن المتحدث باسم الكرملين.
ونقلت وكالات الانباء الروسية عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف قوله انه “في نظر الرئيس الروسي فان اي محاولة للتحرك خارج مجلس الامن الدولي ستكون غير مجدية وستؤدي فقط الى تقويض سلطة هذه المنظمة الدولية”.
وجاء كلام بوتين بعيد قرار اصدره مجلس الامن الدولي الجمعة باجماع اعضائه الخمسة عشر وقضى بتمديد مهمة بعثة المراقبين الدوليين في سوريا “لمرة اخيرة” لمدة ثلاثين يوما.
وكانت موسكو هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا باسم المجموعة الاوروبية في المجلس، لكن مندوب روسيا فيتالي تشوركين صوت في النهاية لصالح مشروع القرار غداة استخدام موسكو الفيتو الخميس ضد مشروع قرار غربي يهدد النظام السوري بعقوبات.
واوضح دبلوماسيون ان القرار يهدف الى اعطاء وقت للمراقبين الذين اوقفوا جولاتهم منذ منتصف حزيران/يونيو للاستعداد للمغادرة.
وكانت بعثة المراقبين المؤلفة من 300 عنصر غير مسلح علقت عملياتها في منتصف حزيران/يونيو، بسبب “تصاعد العنف بشكل كبير” في البلاد التي تشهد احداثا دامية منذ منتصف اذار/مارس 2011.
واعرب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الجمعة في لوبليانا ثم في زغرب عن “خيبة امله العميقة” و”احباطه العميق” بعد فشل مجلس الامن الخميس في تبني قرار حول سوريا.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية اعلن الجمعة انه “من غير المقبول اطلاقا” السعي لالقاء مسؤولية الوضع في سوريا على روسيا بسبب استخدامها حق النقض.
من جانبه، اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مدريد ان الاتحاد الاوروبي سيبحث الاثنين في مسألة فرض عقوبات جديدة على سوريا التي تشهد في رأيه “حربا اهلية”، منها تشديد الحظر على الاسلحة.
واكد الوزير الفرنسي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الاسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغالو، ان “مجموعة كاملة من العقوبات ستتخذ في الايام المقبلة لتضييق الخناق على (الرئيس السوري) بشار الاسد”.
واعلن سفير روسيا في باريس الكسندر اورلوف الجمعة ان الرئيس السوري “موافق على الرحيل” لكن “بطريقة حضارية”، قبل ان يعدل عن تصريحاته ويؤكد الموقف التقليدي لبلده.
وكان اورلوف قال صباح الجمعة لاذاعة فرنسا الدولية (راديو فرانس انترناسيونال) “عقد لقاء في جنيف لمجموعة العمل في 30 حزيران/يونيو وصدر بيان ختامي ينص على انتقال الى نظام اكثر ديموقراطية. وهذا البيان الختامي وافق عليه الاسد، اي انه وافق على الرحيل. لكن الرحيل بطريقة حضارية”.
وعلى الاثر نفى التلفزيون السوري سريعا الجمعة تصريح السفير الروسي ووصفه بانه “عار عن الصحة تماما”.
وفي تصريح جديد لشبكة “بي اف ام تي في” الاخبارية عاد الكسندر اورلوف عن اقواله هذه.
وقال “اذا كان الرئيس الاسد وافق (على البيان الختامي في جنيف) الذي ينص على انتقال (للسلطة)، فهذا يعني انه في قرارة نفسه مستعد للرحيل اذا كانت تلك هي نتيجة هذه المفاوضات” التي كان من المقرر مبدئيا ان تنجم عن اتفاق 30 حزيران/يونيو، مضيفا “لذلك استخدمت عبارة رحيل حضاري”.
وذكرت وكالة انترفاكس الجمعة نقلا عن مصدر عسكري ودبلوماسي ان روسيا قررت “ارجاء” تسليم ثلاث مروحيات قتالية الى سوريا حتى “عودة الوضع الطبيعي” في البلاد.
وفي جنيف، اعلنت المتحدثة باسم مفوضية الامم المتحدة للاجئين ان قرابة ثلاثين الف سوري فروا الى لبنان في الساعات ال48 الاخيرة.
ودعت بلجيكا الجمعة “بالحاح” مواطنيها الموجودين في سوريا الى “مغادرة” هذا البلد “فورا” بسبب تصاعد اعمال العنف.