سوريا والآتي أعظم
جاد عويدات
لم يستطع أحد منع الحرب الأهلية في سوريا. والأرجح أن هذه الحرب لن تتوقف إلا بعد دمار كبير وسقوط مئات الآلاف من القتلى والجرحى. ولا نقول بأنها ستنتهي بقضاء طرف على الآخر لأنه أمر مستحيل حدوثه. في مقاربة لما جرى في بلاد الثورات العربية، في مصر مثلا، رغم تمكن التيار التغييري وعلى رأسه الاخوان المسلمون من الفوز في كل الانتخابات إلا أن نتائج المنافسة الرئاسية أقرت تأييد حوالي ٤٩ بالمئة من الشعب المصري لمرشح النظام السابق أحمد شفيق آخر رئيس للوزراء جاء به الرئيس السابق حسني مبارك. في سوريا تحولت الثورة الى حرب أهلية وفي ذلك دليل على ان لبشار الأسد الكثير من المؤيدين ولا سيما في صفوف العسكريين. ولكن ماذا عن الطرف الثالث، الأكثرية الصامتة التي لا حول ولا قوة لها؟
في هذا السياق، أغلب المعارضة السورية يُصِر على طلب التسلح من أجل إسقاط نظام الأسد بالآلة العسكرية، وهنالك أيضاً العديد من الأصوات التي ترتفع في لبنان وسواه وتدعو الى الإسراع في تسليح الجيش السوري الحر لتوفير المزيد من الدمار والخراب والقتل على سوريا والشعب السوري، ما أغربها تلك الدعوات، وهل ستعجل فعلا في القضاء على نظام الأسد؟
تسارعات الاحداث في الايام الاخيرة بعد مقتل قيادات رفيعة في الجيش السوري في ظروف غامضة. وبرغم هذه الضربة المعنوية الكبيرة للنظام فإنه ما زال يملك الكثير من الأوراق والحلفاء. بعد أكثر من عام ونصف تشير الوقائع إلى أن الأسد لن يسقط الا بتدخل عسكري خارجي ضخم كما حصل في العراق وليبيا ولكن التبعات لمثل هذا التدخل ستكون تدميرية على دول المنطقة بدون استثناء. لا إسرائيل ولا تركيا ولا لبنان وربما الأردن والعراق ستسلم من شظايا الحرب. وهنا السؤال هل الغرب قادر على تحمُّل التَبِعات؟
أولا: في اسرائيل ستكون جبهة الجولان مفتوحة على مصراعيها أمام المقاومة والمتحمسين لمحاربة إسرائيل، فلا بأس بذلك.
ثانيا: الانعكاس على تركيا سيكون عبر غنائم تجار السلاح من المخازن السورية التي تزود حزب العمال الكردستاني مع العلم بأن المواجهات مع الجيش التركي مستمرة بشكل شبه يومي.
ثالثاً: في لبنان ، الجار الحلقة الأضعف حدث ولا حرج. الجبهة اللبنانية المناهضة لسوريا ستحاول طي صفحة الاسد والتصرف بأسلوب الإقصاء مع الآخرين، أما حلفاء سوريا في لبنان فلن يتركوا الساحة خالية وهم بمعظمهم أحزاب مسلحة تملك القدرات القتالية العالية كحزب الله بالمرتبة الاولى ومن ثم حركة امل والحزب القومي السوري الاجتماعي والكثير الكثير من المنظمات بما فيها المنظمات الفلسطينية كالصاعقة والجبهة الشعبية-القيادة العامة المتواجدة في المخيمات في صور والناعمة والبقاع وصيدا وطرابلس، كل الأحزاب الحليفة مستعدة لنقل الى قلب دمشق معركتها في حال سقوط الأسد وهي أعلنت ذلك مرارا وعلانية، مع مساندة إيرانية قد تكون لامحدودة.
في قراءة لهذا السيناريو المخيف، ماذا يتبقى للمجلس الوطني السوري والنشطاء الإعلاميين والمحللين المتواجدين في العواصم الغربية والعربية؟ هذه الحرب ستحرق الاخضر واليابس وبعد سقوط الأسد وتناثر الجيش السوري الى مجموعات، من يستطيع السيطرة على الساحة؟ في بداية الأمر قد نرى المهللين والمنتصرين في الشوارع يحرقون ويمزقون صور الأسد الأب والإبن ولكن غبار المعارك لن ينجلِ لأن الميدان لن يهدأ وستصبح ملكا لقطاع الطرق والمجرمين والوصوليين وعندها ينشغل العالم بأزمة جديدة ويتناسى الدولة السوريا الممزقة أشلاءً.
هذا التحليل يدركه جيداً صناع القرار في العواصم الغربية، الدوائر الاستخباراتية تدرك صعوبة المواجهة العسكرية مع سوريا والكثير من المجموعات اللبنانية ولهذه الأسباب لا نرى تدخلاً مباشراً في الأفق.
يروي السفير عبدالله بوحبيب في كتابه “الهواء الأصفر” كيف انتصر حافظ الأسد على استخبارات القوى خصوصاً الفرنسية والأميركية العظمى في بيروت بمساعدة الروس بعد الإجتياح الإسرائيلي للمدينة. تقهقرت حينها الحامية الفرنسية وسقط قتلى للمارينز بالمئات: “وبعد انسحاب المارينز لم يعد جورج شولتز يريد سماع اسم ” لبنان”. وأُسقطت معاهدة السلام المعروفة باتفاق ١٧ أيار الموقعة بين لبنان وإسرائيل وغيرها.
رغم تغيُّر الأزمنة إلا أن الدعم الروسي الصيني للأسد الإبن أوجد معادلة مشابهة. فلا نية اليوم لخوض الحرب مباشرة في سوريا خوفاً من إعادة التاريخ. ولهذه الأسباب تبقى الخطوات الغربية في إطار التصريحات والتهديد والوعيد بالعقوبات الاقتصادية وحظر بيع السلاح ومع اعتماد استراتيجية انهاك النظام وتفتيته من خلال دعم بعض الجماعات المسلحة المحلية التي استطاعت نقل المعركة إعلاميا وميدانيا الى بعض ضواحي دمشق الفقيرة. هذه الإستراتيجية المتبعة كأنصاف الحلول يدفع ثمنها يومياً الشعب السوري.
هكذا هو الغرب، يُحب صناعة الأيقونات والأساطير للتأثير في رأيه العام ” كالجندي جلعاد شاليط والكولومبية انغريد بتنكور والزعيمة البورمية أون سان سوتشي… كما ان صناع القرار ينظرون الى الأمور من خلال النظرة “المانيكيينية” manichéenne، كلٌ بحسب مصالحه، أي كما بات هو الحال في سوريا، هناك المجرمون الأشرار من شبيحة النظام وعلى رأسهم بشار الأسد وهناك الأبطال أو الأخيار من المقاتلين المدافعين عن الحرية والديموقراطية (من قتل جيل جاكييه؟)، أما في العمق فلا حلول عملية واقعية وعملية تخفف عن الشعب السوري. وهذا الامر شديد الحساسية عند قراءة الاحداث في سوريا! -أَمَا هناك من طرف ثالث؟ اين هي الأكثرية الصامتة ؟ إمّا أن نكون مع النظام او مع الثورة، ففي كلتا الحالتين نكون مع الحرب الاهلية، تناقض ربما فرضه الواقع السياسي والإجتماعي والإعلامي الذي غيب الأكثرية الساحقة وجعل من الكثيرين ناطقا مطلقا باسم الشعب السوري.