قناة فرانس 24 تتكتم على تهديد مراسلها في سوريا
باريس – بسّام الطيارة
قصة فرانس ٢٤ والثورة السورية لم تنته فصولها. فهي لم تبدأ مع مبعوثها الخاص إلى سوريا الزميل «شادي شلالا» ولم تنته في «الانقسامات العميقة» التي تجترح الزملاء في القناة الفرنسية بسبب «تباين» المواقف مما يحصل في بلاد الشام بشكل يحاكي تماماً ما يحصل في العالم العربي بين مؤيد للثورة وللمعارضة، من دون تمييز وبين مؤيد للثورة ولبعض من المعارضة وبين نافر من سلفيي المعارضة وبين «ذوي التوجهات الإسلامية المخفية»، وصولاً إلى من يرى المؤامرة وراء ما يحصل على الأرض. وهو ما ينعكس «يوميا ثلاث أو أربع مرات» على التغطية الإعلامية «للحدث السوري»، تلك التغطية التي تأخذ توجهات متباينة حسب نوبات رئاسة التحرير في غياب سياسة تحريرية ثابتة تتبع النظم الصحافية المنهجية. فهي تتأرجح بين تغطية «سوفياتية» في القناة عندما تمسك بخط التوجه الديبلوماسي الفرنسي لترضية الكي دورسيه، لتعود وتقفز إلى تغطية «عمياء» عندما تحاول تغطية «أفعال السلفيين» على الأرض، قبل أن تنتقل إلى تغطية «تلعب على وتر الموضوعية» عندما تتجاهل «ماضي الأسد» لتشدد على انقسامات المعارضة.
ويتفق عدد من الزملاء العاملين في القناة الفرنسية التي تعتبر واجهة الإعلام الفرنسي الموجه للعالم العربي، شرط كتم هوياتهم، على هذا التوصيف ويضيفون أنه إلى جانب تلك التأرجحات يوجد أيضاً «تغيير نمطي» حسب المذيع الذي يقدم النشرات مع «تناقض واضح، في بعض الأحيان، بين تعليق المذيع وبين ما يقوله المراسل على الأرض» بحيث يبدو للمشاهد أنه ينتقل من قناة إلى أخرى حين ينتهي الأول ويعلق عليه الثاني.
وقد علمت «برس نت» أن الزميل شلالا بصدد رفع دعوى على «كل من يظهره التحقيق متورطاً» بسبب «الخطر الذي أحاط به» بعد نشر دعوات تحذر من كونه «جاسوساً»، ما حدا بفصيل من الجيش السوري الحر إلى مهاجمة مكانه رغم وجوده مع فصيل آخر من الجيش السوري الحر الذي اضطر بعد اشتباك وتبادل إطلاق نار إلى إبعاده إلى تركيا مع مواكبة عسكرية.
هذه القضية فتحت «قمقم علاقة القناة فرانس ٢٤ بالثورة السورية» وخرجت منه مجموعة من الأسئلة والتساؤلات حول ما يحصل في القسم العربي من فرانس ٢٤ وحول المسؤوليات التي يتحملها البعض، ليس فقط في ما حصل قبل اسبوع وهدد حياة الزميل، ولكن في قرارات سبقت هذه المسألة وفي تأخر قرارات أخرى بعد أن خرجت مسألة تهديد حياة صحافي فرنسي في الصحافة من دون أن تتطرق لها القناة الفرنسية وكأنها حصلت على المريخ.
أولاً لماذا لم تبادر قناة فرانس٢٤ إلى التنديد بما حصل؟ لماذا تكتمت الإدارة على هذا الحدث وهي التي ما أن يمس أي صحافي في العالم بريشة اعتداء تلهث وراء الخبر؟ والزميل شلالا إلى جانب جنسيته الفرنسية (لبناني الأصل) من قدماء القناة وعمل في إذاعة «راديو مونت كارلو-الدولية» المرتبطة بنفس الإدارة ولكن بدا وكأن يوجد تردد في إذاعة ما حصل له، لماذا؟
يقول البعض «للحفاظ على سلامة االصحافي وانتظاراً لعودته من تركيا». يجيب البعض ولكنه عاد قبل ثلاثة أيام من ظهور القصة في فضاء الأنترنيت.
يقول البعض بسبب «ميول الزميل السياسية اللبنانية فهو المقرب من عون». يجيب آخرون «ولكنه أرسل كصحافي فرنسي ممثل للقناة».
يقول آخرون لأن «القضية تبرز الخلل في الجيش السوري الحر» واستطراداً التناقضات في المعارضة السورية بشكل عام. يجيب آخرون «غير أن الأمر يتعلق بسلفيين وليس كل الجيش الحر».
يقول البعض بسبب «ضرورة التحفظ لأسباب قانونية» وأن المحامي طلب من «الجميع» التكتم. يجيب البعض أن عودة الزميل سالماً وضرورات الدعوى القضائية، «لا تعفي الإدارة من مسؤولية التنديد» بهذا الحدث الذي هو أيضاً «خبر أول يسلط الضوء على ما يحصل على الأرض»، خصوصاً وأنه صادف في نفس الوقت الذي تتحدث عدة تقارير صحافية عن «معاملة الثوار على الأرض للصحافيين التي تحاكي معاملة النظام للصحافيين».
يقول البعض أن ما حصل للزميل شلالا يسلط الضوء «على كره بعض الثوار لكل ما هو فرنسي» بعكس ما حصل مع ثوار ليبيا، والقناة تحمل اسم فرنسا وتمثل فرنسا في أنظار العالم العربي.
رغم هذه الأقوال التي ما زالت تتردد بصوت خافت بسبب «مرحلة التغيرات التي تجتازها القناة بعد وصول الاشتراكيين»، والإجابات التي تتردد بصوت خافت أيضاً، يتفق القائلون والمجيبون على نقطة تجمع بين كل هذه الأقوال وكل هذه الإجابات وترتكز على مسؤولية الإدارة في إرسال شادي شلالا ومسؤوليتها في غياب ردة فعلها على ما حصل، ومسؤوليتها في وضعية قناة فرانس ٢٤ على الأرض بعد أن انتشر هذا الخبر، حيث سوف يكون هناك تردد كبير قبل إرسال مبعوث صحافي جديد ما سوف يجعل القناة «غائبة عن أرض المعركة»، ولعل الأمور يمكن أن تتجاوز إطار صحافيي فرانس٢٤ لتطال «كل الصحافيين حاملي الجنسية الفرنسية». من هنا نرى خطورة ما حصل خصوصاً وأن بين من حرض تلفزيونياً على ملاحقة شلالا في سوريا واتهمه بالتجسس، يوجد فرنسيون ويوجد معارضون سوريون يعيشون على الأرض الفرنسية، وهو ما يقحم الشق القضائي بالشق السياسي ويسبب لـ«الكي دورسيه» عقدة تضاف إلى سلة العقد التي تتخبط فيها الديبلوماسية الفرنسية في الشأن السوري، وتزيد من تعقيدات علاقتها مع المعارضة السورية.