الشيخ علي «التكفيري»
فداء عيتاني
حين وقف الشاب العشريني خطيبا في مسجد حسن البصري في مدينة حلب كان امامه بافضل الاحوال مئتان من المصلين، ثلثهم من المقاتلين في القوات المنتفضة على النظام، والباقي من اصحاب الشجاعة من ابناء منطقة صلاح الدين، المجاورين للمسجد، الذين لم يكترثوا للطائرات المروحية وهي ترمي بطلقاتها على احياء صلاح الدين منذ فجر يوم الجمعة ذاك.
الشيخ علي خدم في كتائب الدبابات في الجولان حتى الاشهر الاولى من الثورة، حيث انشق وتسلل هاربا الى قريته في الريف الغربي لحلب، حينها كان الجيش السوري يسمح بالاجازات لاسباب مختلفة، واستفاد الشيخ علي من هذا السماح ليلتحق بالجيش الحر.
يختلف ابناء قريته حول سنه، 23 سنة، لا هو من سن فلان، اي 25 سنة، ولكن مظهر الشاب يوحي بانه في العقد الثالث من العمر. يلتزم المسجد اغلب الوقت، قليل الكلام، دائم الابتسام، على حياء كبير، مثاليته تدفع المقاتلين والفوضويين الى الخجل، وصغر سنه يكسبه المزيد من الاحترام بين اترابه، بعد ان اثبت قدراته في كافة الميادين.
من خطب الشيخ علي، خاصة في ايام الجمعة يمكن التكهن بان الشاب الحيي معجب بالتيارات السلفية، وان لم يبد عليه اي اتجاه واضح في الالتزام بالسلفية الجهادية، بل على العكس، فهذا الشاب قاتل تحت الراية السورية التي رفعها الثوار، العلم الاخضر والاسود والابيض، وفي تعريف السلفية الجهادية فان هذه الراية من رايات الكفر، ومن كان من اتباع السلفية الجهادية لا يقاتل الا تحت راية “لا اله الا الله” السوداء التي يرفعها تنظيم القاعدة وكافة القوى السلفية كراية وحيدة.
كان للشاب الذي يرتدي قميصا بسيطا ولكن دائما نظيف وفوقه جعبته العسكرية، فضل كبير في نجاح كمين “حور”، حين ارسل الجيش السوري 5 دبابات تي 55 مدعمة بسبع سيارات رباعية الدفع مع حوالي 60 من المقاتلين النظاميين و”اللجان” او الشبيحة الى منطقة حور لتدعيم موقع قتالي للجيش في مكان يقع بين دارة عزة وقرية حور.
ذاك الصباح كان الثوار قد استولوا على الطريق، وبعد الظهر تقدمت اليات الجيش النظامي، النقطة الاولى لم تتمكن من رمي الدبابات اذ لم تخرج قذائف البي 7 من القاذف، ووصلت الدبابات الى مسجد حور، حينها كان مصير القافلة محسوما في لحظات مع توزع كل قواتها على الطريق حيث ينتشر الثوار.
في لحظة الاشتباك الاولى كان الشيخ علي هو من يقف على رأس مجموعته قرب مسجد حور على الطريق العام، وهو من اعطى رامي البي 7 امر اطلاق النار، وغطى حركته، حتى اذا ما اصابت القذيفة الدبابة في خلفيتها قفز الشيخ علي رافعا سلاحه في الهواء، واشتعلت الالية الثقيلة بعد ان تسرب منها المازوت جراء انفجار القذيفة قرب الخزانات، ودار اشتباك مع الجنود في الشاحنات رباعية الدفع لم يستغرق اكثر من دقائق، انتهى بعدها لتبقى الانفجارات تصدر عن الدبابة وذخيرتها الملتهبة، والتي لا يزال هيكلها الى اليوم على الطريق العام قرب مسجد حور.
بعد نهاية المعركة قام احد الشبان من قرى الجوار بقتل جريح من الجيش النظامي، استشاط الشيخ علي غيظا، ثم بكى، بعد دقائق اختفى من ارض المعركة، وسحب مجموعته القتالية معه، تاركا الذين وصلوا بعد نهاية المعركة ليختلفوا على الغنائم والبنادق والذخائر. قبل ان يتم ضبط الوضوع واعادة المسروقات لاحقا.
ومن الريف الى المدينة، دخل الشيخ علي على رأس مجموعته كما العديد من المجموعات الريفية الى مدينة حلب، استقر في منطقة صلاح الدين، وخلال الانتفال من الريف في الباصات التي اطفأت اضواءها، كان الشيخ يخاطب الشبان، يرشدهم كيف يتعاملون مع سكان المناطق المدنيين، مع نساء المناطق، يبدو من خلال كثرة تشديده على ضرورة مراعاة الاخلاق الحميدة انه يشك بالتزام بعض مقاتليه، او بان حجم اغراءات المدينة واحيائها المتداخلة، مضافا اليه تعب المقاتلين القادمين من الارياف ومن معارك واستنفارات لم تتوقف طوال اشهر طويلة، يستدعيان التشديد.
حتى اذا دخلت المجموعات الى موقعها للنوم، قام بتسيمها، واعاد مخاطبة العناصر، قائلا: هنا لسنا في القرية، لن يكون هناك رحمة، اذا اخطأ احدكم فليأت وليقل انني اخطأت، اما غير ذلك فلن يكون هناك رحمة، وكل امرأة ترونها في الشارع هي امكم واختكم.
بات الشبان يخشون من اعلان افطارهم امام بعضهم، يخجلون من الشيخ ومن رفاقهم، يهربون هنا وهناك ليدخنوا سيجارة في حر تموز، وفي غبار منطقة صلاح الدين، وكل يوم يفطر احدهم ليعود من افطر بالامس ويصوم اليوم، الا انهم باجمعهم يواظبون على الصلاة، وفي مجموعات اخرى “لم يأت رمضان بعد” بحسب تعابير اهل المنطقة، اي ان احدا لم يصم، ولكن مع هذه المجموعة، فان المسألة تختلف تماما.
هناك وقف يوم الجمعة يخطب في الناس، الشاب العشريني يقول ان السنة والشيعة، الشافعية والمالكية والوهابية، ان هي الا تسميات، الاسلام هو الاسلام، وهو اسلام النبي واسلام الصحابة. قبل ان يدخل في صلب موضوعه “كيف تكونون مسلمين وتصلون وتصومون ولا تنصرون انفسكم ضد الظالم”.
يوم الجمعة مساءا دخلت مجموعة من المقاتلين تجر شابا نحيلا، على وجهه اثار كدمات حديثة، قدموه الى الشيخ علي “كان في سيارة للمخابرات الجوية، وهو كما يبدو ضابط في المخابرات” قال احد الشبان، احتج المعتقل “لقد ضربوني وشتموني، واعتدوا علي ولا علاقة لي بما ينسبونه الي”. نهض الشيخ الشاب وسأله “اخي انت صائم؟” نعم اجاب المعتقل، “اذا اجلس قربي وافطر معي، وبعدها لكل حادث حديث. وجلس علي الشاب لتناول الافطار، وجلس الشاب المعتقل قربه وسط استنكار العناصر التي اوقفته.
يوم السبت صباحا كان علي يقف مجددا على الخط الاول، يقاتل، هذه المرة كان يقول للمقاتلين من حوله ان العودة من حلب الى القرية سيكون يوم تتحرر كل حلب من النظام، وحين تترك علي وهو يحضر قنابل المولوتوف لتعويض نقص الذخائر تعلم ان شبان مثله اصبحوا فجأة كوادر في الحرب سيموتون قبل ان يشهدوا نهايتها، وسيأتي من بعدهم انتهازيون يضعون دماء علي ومن شابهه في مصارف الحياة السياسية.
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة