علاقة الأسد وساركوزي تعود إلى واجهة الحدث
ما الذي دفع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لفتح جدل في فرنسا بتوجيهه انتقادات مباشرة لسياسة الرئيس الحالي فرانسوا هولاند تجاه سوريا؟ سؤال طرحه أكثر من مراقب وسياسي واحتل الصفحات الأولى في الصحافة الفرنسية رغم ن البلاد تعيش في ذروة العطلة الصيفية «المقدسة» لدى الفرنسيين. بالطبع نسي ساركوزي المقولة الموجودة في كافة لغات العالم ومفادها «بيتك من زجاج لا ترشق بيوت الآخرين بالحجارة!».
إذ بعد ثلاثة أشهر فقط من هزيمته في الانتخابات الرئاسية، ورغم «وعده بالابتعاد عن السياسة»، فقد خرج ساركوزي عن الصمت بعد لقاء مع رئيس المجلس الوطني السوري «عبد الباسط سيدا»، وأعلن الإثنان أنهما يتقاسمان نفس التحليل «حول خطورة الأزمة السورية وضرورة تحرك سريع من المجتمع الدولي لتفادي وقوع مجازر». وتحدث ساركوزي وسيدا عن «اوجه شبه كبيرة مع الأزمة الليبية»، ملمحين الى احتمال أن يكون التدخل العسكري ضرورياً أيضاً في سوريا.
بالطبع رد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بالقول “الوضع في سوريا في جوهره مختلف جداً على ما كان عليه في ليبيا»، وتحدث عن «وجهة النظر الجيوستراتيجية إذ أن سوريا محاطة كما يفترض أنه معلوم، بالعراق ولبنان وتركيا والأردن وما لذلك من انعكاسات على إسرائيل». وتطرق إلى الأوضاع العسكرية ووصفها بأنها «مختلفة تماماً لأن لدى سوريا مخزوناً كبيراً من الأسلحة وخصوصا الكيميائية منها». وشدد على أن «التباينات واضحة الى حد أنه لم تطلب أي دولة، أو تعرب عن الأمل في تدخل عسكري»، وأنهى بتعجب واستغراب أن «يصدر عن شخص مارس مسؤوليات كبيرة تحليل سريع الى هذا الحد»، وتساءل فابيوس عن أسباب تدخل الرئيس السابق قائلاً «هل يهدف ذلك الى عدم السقوط في النسيان؟» أو «لأن ليس لديه ذكريات جيدة مع بشار الأسد الذي دعي الى فرنسا، بحدس خاص لإستباق الأمور، ليرأس إحتفالات ١٤ تموز/ يوليو 2008؟».
صحيفة لالزاس الإقليمية علقت بالقول «في الواقع كل هذا كلام فارغ» وإن اعتبرت صحيفة «لو فيغارو» اليمينية أنه يعبر عن «إحباط يشعر به الرأي العام أمام هذه الدرجة من العجز» ولكن كان هذا كافياً لتحريك ذاكرة «الصحافة» حول علاقة ساركوزي بالديكتاتوريات السابقة التي أطاح بها عام ٢٠١١ والتي هي موضع تحقيقات قضائية في عدد من القضايا.
موقع «ميديا بارت» الذي وضع «تحت المجهر كل أعمال ساركوزي» كان الأول في «كشف وثائق جديدة» تتعلق بعلاقة ساركوزي وبشار الأسد… عبر تاجر السلاح المليونير اللبناني الأصل «زياد تقي الدين» وصفت فيها «وصف الإليزيه» لجسور العلاقات التي مدها تقي الدين بين ساركوزي والأسد والتي لعب فيها «كلود غيان» دوراً أساسياً عندما كان أمين عام الإليزيه قبل أن يستلم وزارة الداخلية.
بالطبع يعتقد البعض أن عدداً من هذه الوثائق تم تسريبها من قبل تقي الدين بهدف الانتقام من «الطاقم العتيق» الذي لم يساعده قضائياً عندما ضاقت حلقة التحقيقات القضائية حوله، وخدمة «للطاقم الجديد الاشتراكي» الذي وصل إلى الحكم لعل وعسى أن تفيده الأسرار التي يحملها بعد خدمة اليمين الفرنسي لما يزيد عن ١٩ سنة (منذ ١٩٩٣ في ظل حكومة إداور بلادور حين كان ساركوزي وزيرا للمال حتى ٢٠١٢ مع خروج ساركوزي من الإليزيه). وبالطبع فإن الذي كان «لولب» تصدير السلاح الفرنسي إلى العالم العربي والإسلامي ومحور العلاقات «الباطنية» بين السلطات الفرنسية والديكتاتوريات العربية يحمل كماً من الأسرار التي يبثها من حين لآخر حسب «متطلبات التحقيق معه والدفاع عن نفسه وثروته المحجوزة قضائيا».
ما أن وصل ساركوزي إلى الإليزيه عام ٢٠٠٧ سارع تقي الدين الذي تربطه بطاقم ساركوزي علاقات قديمة جداً (راجع الأرشيف) لعرض مجموعة خدمات يصفها البعض بأنها «تواصلية منفعية تجارية»، منها «العرض الليبي» الذي أدى إلى إطلاق سراح الممرضات البلغاريات (راجع الأرشيف) ودعوة القذافي إلى فرنسا، ومنها «بث الدفئ في العلاقات الفرنسية السورية» وهو ما قاد إلى تبادل زيارات بين الرئيسين ساركوزي والأسد. فالأول دعا الأسد إلى باريس لحضور احتفالات الثورة الفرنسية على الشانزيليزيه. ولبى ساركوزي دعوة الأسد لزيارة بلاد الشام في أيلول عام ٢٠٠٨.
إلا أن خطورة الوثائق هي في الكشف عن «سيطرة تقي الدين التامة» على مسار التقارب بين البلدين وتأثيره المباشر عبر «كتابة تقارير تنقل ردات فعل الرئيس السوري للرئيس الفرنسي والعكس بالعكس»، وتصفه «ميديا بارت» بأنه كان «قائد أوركسترا الديبلوماسية الفرنسية» في عام ٢٠٠٨ وهو ما يفسر الانتقادات التي طالت وزير الخارجية آنذاك «برنار كوشنر» وعجزه عن قيادة الديبلوماسية الفرنسية من الكي دورسيه بسبب تدخل غيان في الإليزيه. ولكن يتبين اليوم أن «تقي الدين كان يقف وراء التقارير التي كانت توجه السياسة الفرنسية في المنطقة. كوشنير كان ينتقد التقرب من بشار الأسد بينما تقي الدين كان يشجع هذا التقارب”.
وذكرت مصادر قضائية أن تقي الدين أكد أمام المحققين أن ما وجدوه من وثائق لديه هي نسخ من التقارير التي سلمها لكلود غيان شخصياً.