معركة حلب: استحقاق تنظيم الصفوف
فداء عيتاني
اذا، لقد سجل النظام السوري تقدما في مدينة حلب، المعركة لم تحسم ولن تحسم خلال ايام، وكل ما يشاع في الاعلام من قبل الطرفين لا يعدو ان يكون دعاية حربية كثيرة المبالغات وقليلة المعلومات.
يوم الثامن من اب 2012، انسحب اجزاء من المقاتلين ليلا من العديد من شوارع منطقة صلاح الدين في حلب، ويوم التاسع منه دخلت القوات النظامية الى احياء حلب الخالية من الثوار، لا يمكن لاحد ان يعطي اجابة واضحة عما حصل تماما، على الاقل ليس القيادات المحلية للثورة، ولا الشبان المقاتلون في المدينة، والذين تركوها عائدين الى قراهم. الا ان الكثير من المعلومات توفرت عما حصل في تلك الايام، وبعد اكثر من اسبوعين من بدء عملية اسقاط حلب بيد الثوار.
يوم السابع من اب تولى احد القياديين المحليين زيارة كل المناطق الريفية المحيطة بالمدينة، كانت قوات لواء التوحيد تقاتل تقريبا بمفردها في المدينة تحت ضغط الجيش السوري، الذي استخدم طائرات الميغ بكثافة، وامضى ما يقارب الاسبوعين في قصف احياء صلاح الدين وتدميرها. القيادي المحلي وهو احد المسؤولين عن لواء التوحيد كان خطابه لرفاقه من قادة القرى بسيطا: “حلب ليست ملكا شخصيا لي، ومعركتها ليست لمصلحتي الخاصة، لقد استهلكت كل ما املك من مال في المعركة، اشترينا الطلقات باغلى الاسعار، والسلاح، والطعام والشراب والدخان، وقواتنا الموجودة في شارعي 10 و15 وعلى تخوم الحمدانية بحاجة الى دعم بشري وتبديل، والى ذخائر، غدا عند الساعة السادسة مساءا نحن ننتظر قدومكم، وبحال لم تصل قواتكم لاسنادنا سنغادر المدينة بكل بساطة، ونوفر ذخائرنا ورجالنا واموالنا لمعركة اخرى”.
الساعة السادسة من مساء الثامن من اب تحركت هذه القوات من الثوار من مدينة حلب نحو الريف، لم تخسر اي من عناصرها خلال الانسحاب، جرت الامور على خير ما يرام وتمكن المقاتلون من الافطار في قراهم بعد طول قتال. اما باقي الثوار فقد تعرضوا الى ضغط ناري مضاعف مع دخول الجيش النظامي الى مناطق شكلت شوكا في خاصرة قواتهم، رغم ان بعض المجموعات الاسلامية او القاعدية بقيت في صلاح الدين وتحديدا في شارعي 10 و15 تقاتل حتى اللحظة الاخيرة، الا ان اعدادها البسيطة لا تتيح لها وقف تقدم الجيش النظامي.
لم تكن الامور على المستوى المعنوي مرضية، البعض كان يعزي النفس بالقول ان ما حصل خير، وان هذه الخطوة قد تجعل ابناء المناطق التي لم تشارك يعيدون تقييم عملهم، ويقربهم من بعض في المرحلة التالية، الا ان الخيبة لم تتوقف عن الظهور على وجوه المقاتلين العائدين، الكثير من الاسف الذي يبرره فقدان رفاق سلاح وايام من اعمارهم، وليال قضوها في القتال المتواصل.
وليد لا يصدق انه انسحب، وهو شاب كان من متوسطي الحال في الايام السابقة على الثورة، ومع بداية الثورة التحق بالعمل السلمي، ثم تعرض للاعتقال فترك حلب والتحق بالريف، قبل ان يتحول الى حمل السلاح، وحتى ما قبل معركة حلب كان وليد لا يكاد يتقن اطلاق النار، وبعد اسبوعين فقط في مدينة حلب عاد وليد الى قريته محترفا في قتال الشوارع ليس دون ان يفقد عددا من اصدقائه.
وليد لا يصدق انه ترك المدينة بعد كل الجهد الذي بذله هناك. لم يكن بامكان الجيش النظامي التقدم، يقول، كل قصف الطيران والمدفعية ومحاولات القوات النظامية التقدم عبر فتح ثغرات في جدران المباني لم يكن بامكانه اسقاط منطقة صلاح الدين، وللحظة الاخيرة كانت المعركة عمليا تدور بين منطقة صلاح الدين ومنطقة الحمدانية المقابلة على الجهة الاخرى من الطريق الدولي.
لعب القناصة في معركة حلب دورا كبيرا، ورغم ان سلاح القناصة لا يمكنه ان يحسم معركة، الا ان اغلب حسائر الثوار على المستوى البشري كانت موزعة بين تلك الناتجة عن القنص والاخرى الناتجة عن شظايا القصف، ويقدم ابراهيم ووليد ومحمد وغيرهم كثر شهاداتهم عن سير المعارك ودور عمليات القنص في شل حركة الثوار في الاحياء والشوارع المكشوفة.
“كان القناصة يتسللون الى مناطق قريبة، يصيبون عنصرا منا، ثم ينسحبون، وكنا نضطر احيانا الى تفجير مبنى بكامله بعد تمركز قناص في طوابقه العليا وانتشار حماته من الجيش النظامي في الطوابق السفلى”. كما يقول ابراهيم.
الدور الاخر كان للطيران الحربي وللمدفعية، فغارات الطيران الحربي لم تتوقف منذ بدء معركة حلب عمليا، وتمكنت من تدمير مباني كاملة في صلاح الدين وخاصة في الشوارع التي يتمركز فيها الثوار، كما دمرت العديد من مقرات الثوار وسوتها بالارض، بينما عملت المدفعية على قصف المباني والشوارع في صلاح الدين، ومحاولة قطع خطوط امداد مناطق القتال الاولى، وخاصة مدفعية الهاون، التي اصطادت المقاتلين وهم يتحركون في الشوارع الضيقة، وكانت تلك المرة الاولى التي يعمل فيها الجيش السوري بشكل احترافي في منطقة حلب.
ودمرت مدفعية الدبابات كل واجهات المباني الواقعة على الاوتوستراد والمواجهة لمنطقة الحمدانية وصولا الى مدرسة المدفعية والراموسة وغيرها، حاصرة عمليات الثوار في تلك المباني بالتسلل والقنص وبعض عمليات الاستطلاع الميدانية، وساهم حصول الجيش على تعاون من العديد من المخبرين في الاحياء وبين الثوار بتحقيق اصابات وخاصة في القصف والقنص.
وبالفعل ما ان تدخل الى الاحياء المتقدمة في صلاح الدين، تلك الممتدة ما بين مدرسة المدفعية وصولا الى نهاية الحمدانية، حتى يمكنك تمييز اصوات اطلاق النار من بنادق قناصة، وانفجار الطلقات على الجدران القريبة من السائر او العابر في الاحياء، او رؤية مدنيين يحاولون سحب جرحى، او حتى مقاتلين من الثوار يصابون وهم يركضون في محاولات مستهترة لعبور الشوارع الضيق.
اصوات طلقات القنص تشير الى بنادق غربية، الاغلب الاعم هي بنادق من عيار 5.5 ملم، كما استخدمت قناصات من اعيرة اخرى، واستخدم القنص ببنادق الية وبعدة طلقات مترادفة. ويستخدم القناصون اغلب الاحيان طلقات متفجرة، ادى انفجارها على الجدران في عدد من الحالات الى اصابة ثوار على مسافة 3 امتار او 4 امتار من مكان انفجار الطلقة.
اليوم تجري عمليات تشاور محلية بين القياديين في الثورة في الريف وبعضهم بعضا، للعودة الى تنظيم اكثر جدية للصفوف بدل استكمال معركة حلب كيفما اتفق، وتوزيع المسؤوليات والاعباء، ومركز ابو جمعة القائد الفعلي للواء التوحيد والكائن في تل رفعت في الريف الشمالي يكاد لا يهدأ، المفاوضات والمطالب لا تتوقف.
الا ان استمرار الوضع الحالي وادارة العمليات على السليقة، والسعي الى تحقيق مكاسب سريعة على مستوى الغنائم والتذخير، واستئثار بالدعم الزهيد حين يصل، وانعدام التزام المجموعات بمواقعها القتالية، وعدم فرز المجموعات القتالية بين محترفة ومجموعات اقل احترافا ومجموعات دعم وحراسة، اضف الى الجرائم الحربية والعسكرية التي لم تجد القوى الثورية اسلوبا لضبطها مع شناعتها وتأثيرها السلبي على كل الثورة، والى اخر ما هناك من عناصر ضعف، سيجعل مما قاله احد الثوار العائدين من حلب صحيحا طوال الوقت، الا وهو :”واجهنا جيشا نظاميا، بكامل عتاده، ولكننا تصرفنا كقرويين”.
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة