فرنسا تعود إلى واجهة الملف السوري
باريس – بسّام الطيارة
مع عودة الحياة إلى الإدارة الفرنسية بعد عطلة صيف قصيرة وعودة الحراك الحكومي، احتل الملف السوري واجهة النشاط الديبلوماسي الفرنسي. وقد بدا تحرك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير الخارجية لوران فابيوس وكأنه ردة فعل على «تنديد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بجمود موقف فرنسا مما يحدث في سوريا».
أنها عجلة في إعادة تسخين الملف السوري ديبلوماسياً وليس عسكرياً، كما لمح ساركوزي عندما قارن مع ما حصل في ليبيا عندما كان في قصر الإليزيه. ولا يتردد بعض المقربين من الملف السوري عن القول إن طريقة عرض ساركوزي في الإليزيه لبدء الحملة العسكرية على ليبيا من عوامل الرفض الروسي لأي تهديد لسوريا عبر قرار لمجلس الأمن. وقال ديبلوماسي روسي لـ«برس نت» تعليقاً على تحذير وزير خارجية سيرغي لافروف الغرب من التدخل من دون ضوء أخضر أممي «عندما ظهر ساركوزي في الإليزيه وقال في هذه اللحظة بدأت طائراتنا تقذف الرتل المهاجم لبنغازي، كان ذلك بعد أقل من ساعة من صدور القرار الأممي، بينما الطائرات كانت قد أقلعت قبل ساعتين من قواعدها».
هولاند وفابيوس يريدان تحريك الملف السوري ودور فرنسا فيه ولكن تحت مظلة الأمم المتحدة، وهو ما لا تكف عن ترديده المصادر الديبلوماسية الفرنسية العائدة من العطلة.
ولكن تدرك باريس «نقاط ضعف العمل السياسي لتغيير النظام» الذي تطالب به وأشار ديبلوماسي مخضرم لـ«برس نت» تعليقاً على جمود الديبلوماسية الفرنسية: «المعارضة السورية مشرذمة» وأضاف «من الصعب العمل السياسي والضغط على روسيا في ظل تبعثر قوى المعارضة بين مؤيد للعمل العسكري الخارجي ومطالب بسقوط النظام من دون تدخل عسكري».
ويبدو أن الجهد الفرنسي سوف يذهب في المرحلة الحالية باتجاه الضغط على المعارضات وخصوصاً المجلس الوطني السوري لتوسيع قاعدته ليضم التنسيقيات في الداخل والمعارضات الموجودة في الخارج مثل المنبر الديموقراطي وهيئة التنسيق، خصوصاً وأن «أخر المعلومات» تدل على اتساع تحرك القوى داخل المجلس في اتجاهات مختلفة وهو ما وصفته الديبلوماسية بـ«تيارات نابذة» (Courant centrifuge) تشكل تهديداً جدياً لكينونة المجلس الوطني السوري الذي دعمته ورعته باريس. فـ«آخر الأخبار» تقول إن الناطقة السابقة للمجلس الوطني السوري «بسمة قضماني» الذي لم يتم التجديد لها في المكتب التنفيذي في نهاية الشهر الماضي بسبب «معارضة القوى الإسلامية النافذة في المجلس»، تعمل على وضع «أسس لحكومة يرأسها رياض سيف». وكذلك رئيس المجلس السابق «برهان غليون» الذي يعمل من جهته على تشكيل «لجنة حكماء» يشرفون على تعيين حكومة في المنفى. بينما رئيس المجلس «عبد الباسط سيدا» يحاول جاهداً الوصول إلى «حكومة توازن» داخل المجلس ودفع بعض القوى فيه لقبول «تطعيمها بعناصر من خارج المجلس الوطني» وهو ما تعارضه القوى الإسلامية.
وكانت هذه التيارات المتنافرة قد «بردت اندفاع الفرنسيين» في دعمهم للمجلس، وتجلى ذلك في لقاء باريس الأخير في ٦ تموز حيث دعي إليه عدد من أقطاب المعارضة من خارج المجلس الوطني. ويبدو أن الديبلوماسية الفرنسية تريد أن تستعيد المبادرة بالبدء بـ«تصحيح هذا الإعوجاج في قواعد عمل المجلس» والتحضير «لزرع إيجابيات» في ردات فعل المجلس تجاه المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي بعد الانتقادات التي وجهت له و«طلبات الاعتذار» بسبب تصريحات له تتحدث عن «عملية انتقال سياسي». وقد بدأ العمل على هذا المنوال باستقبال هولاند للمبعوث الدولي في الإليزيه قبل أن يعود ويلتقي بعد ساعات مع خمسة من أعضاء المجلس الوطني برئاسة عبد الباسط سيدا ضم بين أعضائه الرئيس السابق برهان غليون والناطق باسم المجلس جورج صبرا. قبل أن يعود فابيوس ويلتقي مع الابراهيمي ويكرر دعم باريس لمهمته.
وتأتي هذه اللقاءات كـ«تحضير مسبق» للاجتماع الذي دعت اليه في نهاية الشهر لمجلس الأمن الدولي والذي سيترأسه فابيوس. وقال مصدر ديبلوماسي إن العمل بعيداً عن الأضواء في اتجاه موسكو هو «أفضل من التنديد بها علنا» وأن اجتماع نيويورك يمكن أن يظهر «بعض التغيير» في موقف العاصمة الروسية، خصوصاً وأنه جرت اتصالات بعيدة عن الأضواء لتبيان «مدى جدية عرض» نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل الذي صدر من موسكو حول «البحث في كل الأمور بما فيها استقالة الأسد»، في الوقت الذي «انطلقت فيه الآلة الديبلوماسية» الفرنسية، رغم أن بعض الخبراء يرون في هذا التصريح «تلاعباً ألسنياً» يصفه ديبلوماسي بأنه «وصف لما يمكن أن تتطرق له اجتماعات، ولا يعني القبول به».
وقد أعلن سيدا، عقب الاجتماع في الإليزيه مع هولاند، أن المجلس يدرس مسألة تشكيل حكومة انتقالية. لكن الأمر «يستلزم الكثير من المشاورات» وبالتالي لا يمكن «التعجيل به»، ووعد بأن يتم الأمر «في أسرع وقت ممكن»، وهو ما يعكس طلب هولاند «توسيع رقعة المجلس» كما أسر مصدر في الإليزيه.