- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أطفال باب التبانة ولعبة الأمم

خاص – معمر عطوي
من خلال جولة سريعة قام بها كاتب هذه الكلمات على محاور باب التبانة ــ جبل محسن، نهاية الأسبوع، تتجلى خطورة الموقف الذي يمر فيه لبنان هذه الأيام، حيث تنشط ذاكرة اللبنانيين باتجاه ثلاثين أو أربعين سنة خلت، حين كان المواطن ينتظر رحمة القناصة أو استغراقهم في نوم عميق ليمر من منطقة إلى أخرى.
الموقف في باب التبانة اليوم هو نفسه الموقف الذي أدى الى حرب طويلة ذهب ضحيتها مئات آلاف اللبنانيين بين قتل واختفاء واصابة واستمرت نحو 15 عاماً. لكن الخطر الأكبر هو تطور الفرز الديموغرافي اللبناني نحو أسوأ مراحله وصوره، من تباينات طبقية بدأت نهاية الستينات بين الفقراء والأغنياء، وبين مشروعين اقتصاديين أحدهما يتبنى الاشتراكية كطريق نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، وآخر يسعى الى لبرلة الاقتصاد على الطريقة الأميركية.
مروراً بمرحلة سبقت اطلاق الرصاصة الأولى في عين الرمانة، حين كان الجيش اللبناني الفئوي يقصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وهو الجيش الذي انحاز في تلك المرحلة الى جمهورية كميل شمعون وبيار جميل، تماهياً مع سياسة اعطاء «فرنسا الانتداب» الطائفة المسيحية امتيازات بحجة حمايتها من البحر الاسلامي المحيط.
فبدت طبيعة الحرب في نيسان العام 1975 حرباً فلسطينية لبنانية، سرعان ما تحولت إلى اسلامية مسيحية.
بيت القصيد هو أن مشهد باب التبانة ـ جبل محسن، بمقاتليه وناسه المشردين، ببيوته المثقوبة بالرصاص والقذائف، بشوارعه الهادئة بانتظار رحمة القناصة. كل ذلك  شكل مشهداً أعاد الحرب اللبنانية بصورة أبشع لأن الفرز الجديد أصبح سنياً شيعياً أو سنياً علوياً.
قالها بالفم الملآن أحد شبان باب التبانة الذي أرخى لحيته وحف شاربيه على سنة نبيّه، «إن سلاحنا سيبقى معنا ولن نسلمه حتى يسلم حزب الله والنصيريون (العلويون) سلاحهم».
معركة اصبحت مذهبية بامتياز، وهذه الصورة ليست غريبة طالما أن هناك في الجانب الآخر من يدعم نظام فاشي في دمشق، ويغطي عصابات مسلحة تارة باسم مجالس عسكرية عائلية وطوراً تحركات شعبية تقفل الطرقات.
ولكل من أطراف الحرب ذريعته للاستمرار في لعبة الجنون، لكن الشعب المسكين الذي بات تحت رحمة من يضخ الأموال بهدف تغذية الشرخ المذهبي بين الطوئف اللبنانية، أصبح بين نارين إما القبول بحمل السلاح واما الموت جوعاً.
هنا يبقى السؤال الأهم، اين هي الدولة؟ أليس كل هذا الجنون المُمتد من مزارع الحشيشة في البقاع مروراً بعصابات الخطف والسرقة والقتل وصولاً الى الحرب المُقدسة في شوارع الفقراء في حي السلم وباب التبانة وبعلبك والهرمل وصيدا وبرج حمود الخ، هو نتيجة لسياسة الغبن والحرمان التي اشتهرت بها الدولة اللبنانية منذ عقود. طبعاً الفقراء دائماً هم الضحية وكارتيلات المال والفساد من كل الطوائف ومن كل التيارات السياسية تشارك الحكومة في جريمتها التي لن يغفرها التاريخ ولا دموع الثكالى الذين لا يعرفون الفرق بين النصيريين والرافضة والنواصب.
حين تطأ قدماك احياء باب التبانة، حيث المحلات مُقفلة والشوارع شبه مُقفرة، تتذكر الحرب اللبنانية وأطفال لم يجدوا ألعاباً مثل أقرانهم في أحياء لا تبعد عنهم سوى أمتار، بل باتوا اسرى لعبة الأمم التي تجعل من القناص حاكم المنطقة المُطلق.