الأزمة السورية: لعبة جيوسياسية خطرة
ألآن غريش
تبدو الأزمة السورية وكأنه لا نهاية لها. حتى الآن، لا تبدو تصريحات السلطة التي تعلن أنها سوف تسحق المعارضة واقعية، وكذلك لا تبدو الآمال التي وضعها الغرب بانهيار النظام قابلة للتحقيق. وبالمقابل نتيجة هذا المأزق تدفع بلاد الشام ثمناً مرتفعاً من الصعب تقديره بالأرقام – آلاف القتلى وعدد لا يحصى من الجرحى ويقارب عدد اللاجئين الـ ٢٠٠ ألف . وهذ التوجه الكارثي يقضي رويداً رويداً على النسيج الاجتماعي ويؤجج المشاعر الطائفية بين مختلف مكونات المجتمع السوري ويتستفز السكان ليتواجهوا ضد بعضهم البعض.
وقد سبق لنا وقلنا أن السلطة تحمل مسؤولية كبرى في حمام الدم هذا وتغذية دورة العنف. ولكن الأزمة السورية لا تنحصر فقط في سلطة ديكتاتورية تواجه شعبها. لو كان الأمر كذلك لسقط النظام منذ زمن طويل. ولكن هل يمكن فهم هذه الأزمة من دون الأخذ بعين الاعتبار لإطارها الجيوسياسي، ولدوافع اللاعبين المختلفين؟
ذلك أن حروباً متعددة تدور رحاها على الساحة السورية بشكل متوازي. أولاً هناك تطلعات مثل ما حدث في عدد من الدول العربية نحو الحرية والخلاص من الديكتاتوريات. إلا أن عسكرة الانتفاضة – التي دفعت بها التدخلات الخارجية وعنف النظام – وعجزها عن تقديم برنامج جامع للمعارضات أدى إلى نكء جروح عميقة في نسيج الشعب السوري. واستطاع النظام كسب قسم من البرجوازية السنية وهي حليفة له منذ عقود، إلى جانب الأقليات (المسيحيون والعلويون إلخ…) الذين اعتبروا أو وجودهم مهدد. ولكنه اعتمد أيضاً على الخوف الذي انتشر لدى شرائح واسعة من المواطنين، وخصوصاً في حلب ودمشق، بسبب إحساس هذه الشرائح بأنها رهينة مقاتلي المعارضة. وقد نقل عدد من صحافيي وسائل إعلام غربية وقائع اضطراب المواطنين («ليبراسيون» أو «أنديبندت» – « Aleppo’s poor get caught in the crossfire of Syria’s civil war »– أو «إكونوميست» -The Economist (« Part of the problem is that the rebels are failing to win hearts and minds among the urban middle class in Aleppo »-) ولكن هذا لم يغير من نمط معالجة الموضوع السوري: شعب موحد يواجه ديكتاتورية دموية.
وقد تم التطرق مرات لمسألة المقالين الغرباء. وجاءت الأسئلة على شاكلة: لماذا التعجب من وجود مقاتلين تونسين وليبيين في سوريا لمحاربة ديكتاتورية؟ هل مجرد كونهم إسلاميين يجردهم من أهلية القتال؟ الجواب طبعاً لا – بغض النظر من وجود جماعات منتمية إلى تنظيم «القاعدة»- ولكن بسبب التدخل الخارجي الذي تقوده السعودية وقطر بشكل خاص ولكن أيضاً تركيا التي تسلح وتمول وتستنفر هذه المجموعات.
ويمكننا أن أن نشك في أن يكون نشر الديموقراطية في سوريا هو محرك دول الخليج. بالطبع إن تصريحات وزير خارجية سوريا لـ«روبرت فيسك» (« We believe that the USA is the major player against Syria and the rest are its instruments ») بأن الولايات المتحدة هي مسؤولة عما يحدث في سوريا هي تصريحات مبالغ بها، ولكن هل توجد شكوك بوجود تدخلات خارجية؟
وقد أكد «كوفي أنان» في ٧ تموز لموقع «لوموند» (LeMonde.fr) بأن كلا الطرفين لم يعمدا لوقف إطلاق النار (« Sur la Syrie, à l’évidence, nous n’avons pas réussi ») وإذا كان دعم روسيا والصين وإيران قد صلّب موقف بشار الأسد، فإن الغرب ومعه فرنسا لم يطالب المعارضة بوقف إطلاق النار، وهو ما كان بمثابة صب زيت على النار وتأجيج القتال. لم يؤمن الغرب (ولا باريس) لحظة واحدة بمهمة كوفي أنان ولم يضع أي مجهود لإنجاحها.
السبب؟ هو أن هدف الغرب ودول الخليج إسقاط النظام لاستهداف إيران. إن هذه الاستراتيجية تدخل في لعبة جيوسياسية خطرة لا تشكل حقوق الإنسان إلا حلقة من حلقاتها. فروسيا والصين تؤيدان ضغوطاً على إيران ولكن تعترضان على أي مغامرة عسكرية، وبالتالي تعارضان هذه الاستراتيجية. وقال لي أحد المثقفين بألم «إن هذه اللعبة الجيوستراتيجية تدور على حساب الدم السوري، يجب سوق أوباما وبوتين أمام القضاء الدولي».
اليوم يبدو الغرب عاجزاً عن توحيد المعارضة، ويبدو طلب هولاند إقامة حكومة مؤقتة طلباً طوباوياً (« Hollande cherche à se placer en pointe sur la Syrie ») وهو ما أكدته الولايات المتحدة، وهو برهان على أن باريس عاجزة عن الاعتراف بأن المجلس الوطني السوري قد فقد الكثير من شرعيته.
بانتظار ذلك فإن القتال يدور والمذابح مستمرة.
المبادرة الوحيدة التي تبدو جدية هي مبادرة الرئيس المصري محمد مرسي الذي يدعو إلى إنشاء مجموعة اتصال رباعية تضم إلى جانب مصر تركيا والسعودية وإيران، كما ذكرت «نيويورك تايم» (The New York Times) ( Egyptian Leader Adds Rivals of West to Syria Plan »).
ومن محاسن هذه التركيبة أنها تبعد – ولو لفترة قصيرة- الأطراف الخارجية. ولكنها تعتمد على تفاوض مباشر بين المعارضة والنظام. هل يمكن مفاوضة من يديه ملوثتين بالدماء؟ يجب التذكير هنا بأن نشر الديموقراطية في أميركا اللاتينية تم بناء على عفو للجنوالات المسؤولين عن أشرس مذابح بحق المواطنين (وقد تطلب سوقهم أمام المحاكم عقدين بعد حقبة مرحلية هادئة).
كلمة أخيرة: تنشر «لوموند ديبلوماتيك» مقالة هامة حول سبل تغطية الأحداث في سوريا (« Syrie, champ de bataille médiatique »)، وبغض النظر عن البعد الأدبي الصحافي، إن هذه الأساليب تساهم في شلل السلطات السياسية وتكبلها وتمنعها من القيام بأي تحرك حقيقي، وبالتالي لا يمكن لأي كان اليوم أن يدعو إلى مفاوضات أو الكف عن العنف من دون أن توجه له تهمة «عميل للديكتاتورية السورية».