استحقاق الدولة الفلسطينية: 3 أوجه “لمأزق” أبو مازن
بات الفاصل بين الفلسطينيين واستحقاق الاعتراف في الدولة في الأمم المتحدة قصيراً جداً. غير أن المعطيات لا تزال تسير في عكس الرغبة الفلسطينية في نيل الاعتراف، ولا سيما بعد تأكيد الولايات المتحدة بأنها ماضية إلى استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد الطلب الفلسطيني، الذي لم يُقدم بعد.
ومع اقتراب الموعد يُطرح سؤال أساسي مرتبط برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على وجه الخصوص. هل أبو مازن على قناعة تامة بخيار الذهاب إلى الأمم المتحدة لإعلان قيام الدولة ؟ سؤال يجاوب عليه الكثير من المراقبين بالإشارة إلى أن عباس بدأ بالشعور بالمأزق. مأزق ذو أكثر من وجه، الأول يتعلّق بمسار الاعتراف بالدولة، الذي يبدو ذاهباً في طريق مسدود. فمن الناحية القانونية، يقضي ميثاق الأمم المتحدة بأن العضوية في المنظمة «تسري بموجب قرار الجمعية العامة بناءً على توصية من مجلس الأمن»، ما يعني أن على الدول الراغبة في الانضمام للأمم المتحدة أن تقدم أوّلاً طلباً لمجلس الأمن الدولي.
موافقة مجلس الأمن تبدو مرتبطة بالفيتو الأميركي، الذي أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما أنها ستستخدمه، مكررة نغمة «العودة إلى المفاوضات» ورفض الخطوات الأحادية. فالرئيس باراك أوباما حذّر في التاسع عشر من أيار الماضي، في خطاب له، الفلسطينيين من اللجوء إلى الأمم المتحدة، واصفاً هذه الخطوة بـ«الخطأ». خطأ قد يكون أوباما نفسه هو من أوقع الفلسطينيين فيه، حين خطب العام الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، متمنيّاً لو تشهد الدورة التالية انضمام «دولة فلسطين» إلى المنظمة الدولية.
تمنيات أوباما تحوّلت اليوم إلى نقيضها، والتعويل الفلسطيني على إحراج الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وعدم تصويتها على الطلب، سبق أن أثبت فشله، بعدما تمّ تجريبه خلال التصويت على مشروع قرار تجريم الاستيطان قبل أشهر.
وبالتالي فإن الخيار الفلسطيني سيكون التوجه المباشرة إلى الجمعية العامة تحت عنوان “متحدون من أجل السلام”، وهو قرار اتخذته الأمم المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1950، ويجيز للجمعية العامة أن تتخذ إجراءات، إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم. لكن شرط استخدام هذا القرار هو أن تكون الحالة تشكّل “تهديدا للسلام أو خرقا للسلام أو أن هناك عملا من أعمال العدوان. وعندئذ يمكن للجمعية أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين”.
وفق هذا النص يعوّل الفلسطينيون على التوجه إلى الأمم المتحدة، غير أن الجدال لا يزال قائماً حول الشروط التي تستوجب التصويت في الجمعية العامة، حيث أمّنت السلطة، تقريباً، أصوات الثلثين التي تحتاج غليها لنيل الاعتراف. غير أن الاعتراف، في حال لو تم التصويت، سيكون على رفع صفة السلطة أو منظمة التحرير، من هيئة مراقبة إلى دولة مراقبة، من دون أن يكون لها حق التصويت في الجمعية العامة، على غرار حالة الفاتيكان، وبالتالي فإن النصر المفترض تحقيقه لن يكون كاملاً.
الوجه الآخر للمازق متعلّق بالداخل الفلسطيني، الذي يبدو أنه ماضٍ مع أبو مازن في خياره الأخير، وبات على قناعة، أن لا مجال للعودة إلى طاولة المفاوضات، التي يلمّح ابو مازن بإمكان استئنافها في حال تلقى العرض المناسب.
وبحسب العروض المطروحة، فلا يبدو أن أياً منها سيقنع الفلسطينيين، حتى لو كان عبّاس يحتاج إلى الهروب من استحقاق الأمم المتحدة، وإضافة مزيد من الوقت لدراسات خيارات بديلة. فالشارع، الذي جرّب الزحف والمواجعات السلميّة في الخامس عشر من أيار، ليس في وارد البقاء في الصفوف الخلفية والتفرّج على “الخيارات”، بل بات مقتنعاً بأنه لا بد له من المشاركة فيها مباشرة، وهو ما لا يحبّذه أبو مازن، ويسعى إلى احتوائه عبر تحذيرات من اللجوء إلى العنف في التظاهرات المتوقع أن تخرج بالتزامن مع التصويت في الأمم المتحدة.
وجه ثالث للاستحقاق بدأ يظهر على سطح السلطة الفلسطينية، عنوانه الأزمة المالية، التي تعيشها الأراضي الفلسطينية، والتي انعكست تأخيراً في صرف رواتب الموظفين الحكوميين، الذين هددوا بتصعيد حركتهم النقابية. أزمة مرتبطة مباشرة بالاستحقاق، بحسب ما أوضح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ياسر عبد ربه، الذي أشار إلى حصار مالي، عربي خصوصاً على السلطة، في إشارة إلى ضلوع المانحين العرب في الضغط لمنع التوجه إلى المنظمة الدولية. حصار من المرتقب ان يزيد في حال قررت الولايات المتحدة قطع المساعدات، وحجزت إسرائيل أموال الضرائب التي تحولها إلى السلطة الفلسطينية، ما سيعكس تفاقماً للوضع المعيشي الفلسطيني، ويزيد من قابلية الانفجار الميداني.
الوقت يضيق لمحاولات الاحتواء، لكنه لم ينفد بعد. ومن المؤكد أن أبو مازن راغب في تجنب المواجهة الأممية، غير أنه ينتظر “العرض المناسب” للنزول بشكل مشرّف عن شجرة “إعلان الدولة”.