التدخين السلبي والحكومة اللبنانية
معمر عطوي
وأخيراً لحقت الحكومة اللبنانية بغيرها من الدول النامية والمُتحضرة التي سبقتها في تنفيذ قانون حظر التدخين في الأماكن العامة المُغلقة، لكن على ما يبدو ان آليات تنفيذ هذه الخطوة لا تزال دون المُرتجى، إذ أن صرامة القانون اللبناني قد تساهم في خلق صعوبات أمام تنفيذه.
لعل التعديلات التي تطالب بها نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي تحمل شيئاً منطقياً لجهة عدم الذهاب بعيداً في تنفيذ قانون قد يتسبب في ضرر كبير لأصحاب هذه المصالح ويفاقم عدد العاطلين عن العمل، فيما تعيش الدولة اللبنانية الترهل بكل صوره على صعيد تجاهل القوانين وخرق كل شرائع الدولة وهيبتها.
لكن في الوقت نفسه، على أصحاب المقاهي والحانات والمطاعم ألاّ يكونوا أنانيين همهم جمع الأموال على حساب صحة الآلاف من المواطنين الذين يموتون كل سنة بسبب التدخين السلبي. فهم فيما ينظرون الى زبائن النراجيل والسجائر يتجاهلون شريحة واسعة من عدم المُدخنين الذين اعتكفوا في بيوتهم بعدما أصبحت كل مقاهي ومطاعم لبنان عابقة بسموم النيكوتين والمُعسّل والعجمي وما الى ذلك.
نعم، القانون بحاجة الى تخفيف واعادة صياغة على طريقة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم»، لكن هذه الدعوة لاعادة الصياغة لا تشجّع على ما هو معمول فيه في هذا البلد من توافقية غير مجدية الا لمصلحة الطوائف والتيارات السياسية النابعة من صلبها، بل هي دعوة لجعل القانون منطقياً، بحيث يصبح التطبيق هيناً ولا مجال لممارسة الفساد لتجاوزه.
طبعاً لن يكون القانون الجديد الذي بُدء العمل به في الثالث من أيلول الحالي عام 2012 سوى محطة من محطات التغيير نحو دولة مدنية عصرية تراعي شروط الصحة والبيئة وتحافظ على مواطنيها من غازات وأمراض لم يختاروا تنشقها بارادتهم، فمن المعروف أن تمباك السجائر يحتوي على أكثر من 4000 مادة كيميائية على شكل غازات ومواد سامة ومضّرة بصحة الجسم.
الأمر الخطر في الموضوع أن هذه السموم لا توجد فقط في الدخان المُتصاعد، بل وفي الدخان المنبعث من المُدّخن أثناء الزفير، والذي يجد طريقه إلى المجاري التنفسية للناس الذين يجلسون أو يعيشون معه، كما تستمر هذه الغازات لفترة طويلة عابقة في سماء المكان المُغلق.
لعل أهم هذه المواد السامة: النيكوتين، والبنزين، وأول أكسيد الكربون، والأمونيا، والسيانيد وأكثر من 60 مادة سرطانية.
ومن أكثر العوارض التي تصيب المتلقين لسموم المُدخنين بغير إرادة، وهم من نسميهم بالمدخنين السلبيين: الربو وضيق التنفس الليلي ومخاطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب. والعقم أو العنن ناهيك بالتسبب بتشويه الأجنة في بطون امهاتها.
لقد انتظرنا طويلاً جداً سريان مفعول قرار منع التدخين داخل القاعات المقفلة في المقاهي والمطاعم والملاهي تحت طائلة تحرير محاضر ضبط وغرامات مالية بحق المدخنين المخالفين، خصوصاً أن هذا القرار لم تعمل العديد من الشركات على تحقيق آليات تنفيذه عبر إيجاد أمكنة مفتوحة تساعد المُدخّن على تجاوز «المحنة».
واللافت أن الجمهورية اللبنانية المشهورة في ممارسة الفساد وتجاوز القوانين التي تصب في مصلحة الناس بشكل عام، قد سنّت هذا القرار منذ عام على أن توجد آلية لتنفيذه – من دون تطبيق ناجح في هذا الاطار- في الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة وأماكن العمل ووسائل النقل.
ليس بالأمر السهل أن يُصاب الإنسان بمرض مُزمن، كما حدث مع كاتب هذه السطور منذ طفولته، بسبب ممارسة البعض للتدخين في المنزل، غير آبه لوجود أطفال أو حتى عجائز. لعل المُدّخن يكون انانياً بامتياز في هذا الموضوع بحيث لا ينظر الاّ الى متعته الشخصية من دون أن يدرك حجم الضرر بل الكارثة التي قد تلحق بعائلة كاملة.
قد يكون منع التدخين في الأماكن العامة والمُغلقة ليس بالأمر الايجابي بالنسبة للمدخّن نفسه، الا فيما يساعده على تخفيف نسبة التدخين اليومية، ما قد ينعكس ايجاباً على طبيعة استهلاكه للنيكوتين وقد يشجعه على تركه نهائياً. لكن لغير المُدخنين ستكون النتيجة بالفعل رائعة، فبحسب دراسة شملت أكثر من 3500 شخص من مدينة بريمن الألمانية فى الفترة من 2006 إلى 2010، حول جدوى سياسة حظر التدخين التى فرضتها السلطات الألمانية فى المدينة، عام 2008، كشفت النتائج عن أن تنفيذ سياسة حظر التدخين نتج عنها خفض معدلات الإصابة بأحد أخطر أنواع الأزمات القلبية واحتشاء عضلة القلب، والتي تعرف باسم STEMI، أو ST-elevation myocardial infarction ، وذلك بنسبة 16 في المئة، وأن هذه النسبة تزيد بين غير المدخنين وهو ما يثبت ارتفاع فرص إصابتهم بذلك النوع الخطير من الأزمات القلبية. فهل يعتبر المدخنون من أنانيتهم التي تسبب كوراث لغيرهم صحية ومالية وعلاجية لا تنتهي؟