خالد النسر المقتول مرتين
فداء عيتاني – ريف حلب
كلما هدرت طائرة مدنية في بيروت ستأخذك الذكرى الى هدير الطائرات الحربية في حلب وريفها، حيث الطيران الحربي يحلق على ارتفاعات منخفضة ويغير على مواقع القرى والبلدات في صراع بات من اجل البقاء بالنسبة للنظام، ومن اجل التغيير بالنسبة للثوار.
حين اخترقت الطائرة الحربية سماء القرية في الريف الغربي تابعناها بعيوننا، كانت تدور في سماء القرية منذ لحظات، ونحن نبحث عنها، صبحي نهر الخارجين الى الشرفة، طلب اليهم العودة الى الداخل، عادوا من خوفهم من هدير الطائرة المرتفع، لا من نهيان صبحي لهم، وبعد لحظات كان صبحي هو من يشاهد الطائرة وهي تنطلق من ناحية النافذة المجاورة حيث يجلس ارضا، الكل يجلسون ارضا على مساند عربية، وصبحي يحذر الكل بان الطائرة تنخفض اكثر.
شتيمة واحدة خرجت، كنت اتجه الى النافذة التي يجلس اسفلها صبحي، وانظر نحو الخارج، صبحي قال انبطحوا يا شباب، شتيمة واحدة خرجت، ربما مني، او من احد الموجودين، صبحي قال قصفت، انفصل عن الطائرة المغيرة على علو منخفض جسم صغير، صبحي قال لاحقا انهما كانا جسمين يشبهان البراميل، اختفى الجسم عن انظارنا، “هل شاهدته؟” يسأل صبحي “لا” اجيبه، ولكني شاهدته في اللحظة الاخيرة، الا انها المرة الاولى التي اشاهد جسما مشابها يسقط من طائرة حربية، لم اتمكن من معرفة ماهيته، كان صبحي لا يزال منبطحا على الارض حين اختفى الجسم، لم نسمع انفجار.
ثم دارت فوقنا الطائرة نفسها، وانقضت مجددا من فوقنا نحو النقطة نفسها التي سبق ان رمت عليها، ودوى انفجار كبير، وارتفعت المزيد من السحب الغبراء نحو السماء.
قنبلة لم تنفجر، قال احد الحاضرين من اللذين تأخروا على الذهاب الى المسجد لاداء فريضة صلاة الجمعة، لحظات وارتفعت سحب الدخان من مكان سقوط الجسم، نظر صبحي الى الخارج وقال “فراغية”.
قدمت امكانيتين: اما اننا لم نسمع انفجارها لان هدير الطائرة كان فوقنا تماما ويصم اذاننا لحظة الانفجار، واما انها فراغية. دقائق وبدأ يصل بعض الشبان طالبين توفير الوقود للسيارات لنقل الجرحى الى مستشفيات ميدانية خارج القرية. ثم اتى من يقول ان هناك قتلى، قتيل اولا، ثم عاد بعد حوالي الساعة شاب من الحدود مع تركيا ليخبرنا بوفاة احد العجائز ايضا من المصابين، ويصف لنا كيفية الاصابة. كان صبحي محقا، انها قنبلة فراغية.
كل الاصابات هناك كانت ناتجة عن انهيار المباني، اربعة من المنازل الصغيرة التي تدمرت، على مبعدة 30 مترا كان مستوصف القرية قد تعرض لاغارة اخرى من الطائرة، اصابته بصاروخين، احدهما لم ينفجر بل اخترق السقف وارتمى على الارض كما هو، والاخر انفجر على مدخل المستوصف البلدي تماما، وعلى مبعدة 40 مترا اخرى تقريبا من المستوصف البلدي كان المسجد المليء بكل ذكور القرية المصلين، لم يبق خارجه لحظة الغارات الا المصابين وبعض المكلفين بمهام عسكرية وبعض المتأخرين عن الوصول الى الصلاة، ومن المسجد كان يمكن رؤية الزجاج الذي تحطم الى الخارج وليس الى الداخل.
لم نسمع انفجارا يقول ابو مصطفى الخارج من المسجد اثر الغارات، فقط رأينا الزجاج يتكسر وقرقعة هائلة في الخارج.
تحت المنازل المتداعية قضى خالد مباشرة، ووجدت جثته تحت الانقاض، كانت تلك المرة الثانية التي يقتل فيها خالد.
قبل الغارة بحاولي الشهرين ونصف كان الجيش السوري قد بدأ بتطبيق سياسته الجديدة في ريف حلب الثائر: القصف العشوائي. كل ليلة تحصل القرى الثائرة على وجبة من القصف تتراوح بين بعض قذائف مدفعية 122 ملم او 130 ملم وبين عشرات من هذه القذائف مترافقة مع اطلاقات مباشرة لمدفعية مضادة للطائرات من عيار 57 ملم موجهة نحو المنازل والحقول من مواقع عسكرية قريبة تابعة للجيش السوري.
المقاتلون القرويون لم يعتادوا المدفعية، كانت تلك تشبه نهاية الدنيا بالنسبة لهم، بعض القذائف على احياء متفرقة تشكل حالة من الهلع الشديد، ومع مضي الاسبوع الاول من هذه السياسة باتت القذائف مدعاة لنقاش بنوعها ومكان سقوطها مع بعض الجزع والخوف.
كانت القذائف تسقط هنا وهناك، ومع مضي الايام صار الشبان يضحكون من اصابات القذائف، بعضها سقط في منازل المؤيدين للنظام الذين لا يزالون يسكنون في القرية، “لم يصب احد، ولكن صار بامكان اي مار في الشارع استخدام حمام ابو (…) الموالي”. يقول ابو احمد وهو يصف اثار القذيفة التي ذهب لاستطلاعها وعاد.
الا ان القصف طال مزرعة يملكها والد خالد، وكان خالد العشريني واحد رفاقه في المزرعة، وبعد حوالي الشهر وهو يسهر في منزل استأجره شقيقه في قرية امنة، وحوله الى مقر للنقاهة لبعض الجرحى، سيصف خالد كيف اصيب، كيف كان جالسا الى كرسي على غير عادة الجلوس الى الارض في القرى، وكيف شاهد لحظات البرق الخاطفة للقذيفة المنفجرة، وهو يعتبرها صاروخا، وكيف شعر بنفسه مصابا، وكيف لم يجد حوله احدا، وصار يصرخ طالبا الغوث، ثم زحف، وكان قد بدأ يعي انه اصيب في رجله، وشاهد نفسه، ثم يسأل “هل صورتني حينها؟” لا، لقد صورك (….) الاعلامي في الثورة، يضيف “نعم شاهدت الصور”.
ثم تمكن اقرباؤه من انتشاله وسحبه من مكان الانفجار ونقلوه الى مستوصف القرية اولا، ثم الى مستشفى ميداني في مكان بعيد وامن، الا ان خالد كان قد فقد ساقه اليسرى من اعلى الفخذ.
الى تلك اللحظة كان خالد مثل كل اترابه في بداية شرينياتهم يبحثون في وسيلة للزواج، يدخرون المال، يحرمون انفسهم، يحاولون اختيار زوجة، وتحضير مستوجبات الزواج، وقبل ان ينام خالد تلك الليلة وهو ينهي قصته عن يوم اصابته، كان يسأل شقيقه “هل تعتقد ان (فلانة) تقبل بي؟”، ثم وهو يحاول ان يغفو يضيف خالد “سأشرح لها وضعي، وان لم تقبل بي سأخطب (فلانة)”.
ثم انسحق جسد خالد بعدها تحت الركام، ولكن ليس قبل ان يقف في ليلة وهو في المنزل الامن بعيدا عن الحرب الدائرة ليرفع صوته قائلا “لقد فقدت قدمي ولكني لم اكن اعصي الله، انظروا الي الان واقفا” يرفع خالد عكازتيه ويستقيم على قدمه الوحيدة “انا نسر، انا نسر بساق واحدة، الا يقف النسر هكذا على ساق واحدة ليرتاح؟” ثم ارتاح خالد.
بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة
الاستاذ عيتاني يتحدث عن الثوار في ريف حلب وسعيهم للنصر لكنه نسي ان يقول لنا ان هؤلاء الثوار مدعومون من وكالة المخابرات المركزية الاميركية واجهزة الاستخبارات الالمانية والبريطانية والفرنسية بحسب الصحافة الاوروبية.هل الدول الداعمة يا استاذ تريد\ ثورة ام شيئا اخر؟لم نتحدث عن الدول العائلية التي تدعم الثوار الديموقراطيين ونتركها لضميرك.
تاريخ نشر التعليق: 2012/09/07اُكتب تعليقك (Your comment):