- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فعلها الرئيس !

طانيوس دعيبس

فعلها ميشال سليمان . تجاوز كل المعوقات، ورسم حدود التحوّل في المشهد السياسي اللبناني. وأيضاً حدود الموقف الوطني اللبناني المبني على معطى المناعة التي يجب أن يكتسبها بلدنا الصغير أمام التحولات الكبرى التي تحيط به، وأبرزها طبعاً ما ينتج عن الحدث السوري من ترددات تصيب البنية السياسية اللبنانية الضعيفة.
يفيد كلام رئيس الجمهورية ( ليس فقط كلام عمشيت، فالمضمون السياسي الجديد لكلام الرئاسة سبقت الإشارة إليه في مقالات سابقة، منذ التعليق الذي صدر عن بعبدا بشأن الإنفجار في مقر القيادة القومية في دمشق )، بأن لبنان دخل مرحلة سياسية جديدة محكومة بتغيير موازين القوى التي سادت حتى الآن. وهي مرحلة شديدة الخطورة، بفعل عدم وضوح معالمها حتى الان، وبفعل القراءات المتعاكسة لجوهر التغيير الذي تحمله. إنما، وبمعزل عن خطورتها، وأيضاً عن القدرة على تفاديها، فإن واحداً من معالمها يتبدى في استعادة لبنان لهامش مريح من الحركة السياسية المستقلة، وللتحكم بنسبة فعالة بقراره الأمني. والرئيس يحفّز الجو السياسي اللبناني على استثمار هذين العاملين، عبر تأكيده على فكرة الحياد، مذكراً بانها صدرت في إعلان بعبدا لإلزام الجميع بها، وعبر تمسكه بأحتضان القوى العسكرية والأمنية، ورفضه النيل من هيبتها والإشادة بإنجازها في قضية ميشال سماحة.
كلام الرئاسة يفيد أيضاً بأن ضعف وارتباك طرفي المعادلة التي تحكمت منذ العام 2005 بالحياة السياسية اللبنانية ( 14 و 8 أذار )، يسمحان للموقع الأكثر قدرة على الحركة، والمتحرر من التزامات الطرفين ( موقع رئيس الجمهورية )، بالأمساك بزمام المبادرة. والدليل ان الحملة التي تعرض لها الرئيس سليمان بسبب الإطار السياسي الذي حدده للتعامل مع الأزمة السورية، لم تؤت ثمارها، بعكس حالات أخرى في السابق.
ويفيد أيضاً وأيضاً بأن تراجع التأثير السوري على القرار الداخلي اللبناني، لم يدفع القوى السياسية اللبنانية المتواجهة إلى إعادة النظر بتكتيكاتها في التعامل مع الواقع اللبناني الجديد الناتج عن التحولات في سوريا وفي المنطقة. بل بالعكس، فهي صعّدت اتهاماتها لبعضها البعض، وازدادت انخراطاً بالمراهنة على مسارات الأزمة السورية. لذلك لم تستطع هذه القوى أن تستثمر تراجع التأثير السوري لصالح مناخ يعيد الإعتبار لمفهومي سيادة الدولة واستقلالها وصياغة موقفها بالتالي وفق ما تقتضيه مصلحتها الوطنية، وليس وفق مصالح القوى والكتل والطوائف، الفئوية والقصيرة النظر والمدى.  تقدّم موقع الرئاسة للإستفادة من هذا التراجع، عبر ما يمكن ان يكون محاولة لخلق ” عصب لبناني ” ينشئ حماية للداخل، ويلاقي التحوًل العربي برفع شعار تطوير ” النموذج ” اللبناني الذي تشكل مكوناته، تبعاً للخطاب الرئاسي، هدفاً لثورات الشعوب العربية.
غير أن قوة الموقف الرئاسي تفتقد الدعائم التي تسمح لها بفرض نفسها سياسة عامة للدولة. فلا توازنات الحكومة يمكن أن تكون داعمة لمثل هذا التوجه، ولا القوى السياسية في وضع يدفعها إلى الإلتفاف حول الموقف الرئاسي. الدعم الوحيد الذي يحمي قوة موقف الرئاسة اليوم هو ضعف قدرة قوى 8 أذار على الضغط عليه، وضعف قدرة قوى 14 أذار على ضمه إلى صفوفها وتحويله طرفاً. وليس متوقعاً ان تتغير هذه المعادلة في المدى المنظور. وهنا تكمن نقطة الضعف التي يمكن ان توهن قوة موقف الرئاسة. فإذا لم يتحوّل هذا الموقف إلى سياسة عامة للدولة سيفقد بريقه وفعاليته. سيصبح مجرد تعبير عن رغبات وإرادة لدى الرئيس لا تجد طريقاً إلى التحقق.
لقد رسم كلام رئيس الجمهورية حدود التحوًل في المشهد السياسي اللبناني في ضوء الحدث السوري. لكن هذا التحوّل يمكن له أن يذهب باتجاهين : اتجاه إعادة ترتيب البيت الداخلي والإستفادة من ضعف وتراجع ضغظ الخارج علينا، او إتجاه المغامرة باللعب على حافة الهاوية، بالسعي إلى تفصيل التحوّل على قياس مشاريع الإرتباط بالخارج. والتحوّل حاصل في الحالتين.