ميدان التحرير= ميدان المعارضة
ما إن طمست السلطات المصرية بالطلاء رسوما ثورية على جدران شارع قرب ميدان التحرير هذا الأسبوع حتى عاد الرسامون ومعهم أدواتهم لكنهم وجهوا غضبهم هذه المرة الى هدف جديد .. هو الرئيس محمد مرسي.
وفي محاولة منها لخلق انطباع بعودة الوضع الى طبيعته في ميدان التحرير بؤرة الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي قامت السلطات بنشر رجال الشرطة وموظفي البلدية وابعاد الباعة الجائلين وزرع أشجار النخيل والحشائش والزهور بوسط الميدان.
لكن ما قامت به السلطات من محو للرسوم التي تسجل أحداثا خلال الانتفاضة والفترة الانتقالية المضطربة التي أعقبتها واستمرت 18 شهرا كان فوق طاقة الفنانين الذين تجمعوا أمس الأربعاء واليوم لرسم جداريات تعبر عن غضبهم من الحكومة.
وقال الرسام أحمد نادي وهو يرسم على جدار قرب الميدان صورا كاريكاتورية لمرسي الملتحي الذي يضع نظارة على عينيه والذي انتخب رئيسا في يونيو حزيران في أول انتخابات رئاسية حرة “هذه الرسوم (التي طمسوها) جسدت أشياء كثيرة: الشهداء والنظام العسكري وشعب يبحث عن الحرية والديمقراطية.”
وأضاف “كانت (الرسوم) ذاكرة مكان شهد أحداثا كثيرة مهمة.” وتابع “تصورنا أن مرسي سيترك هذه الرسوم الرائعة في مكانها.”
ورغم أن مرسي لم يكن فيما يبدو صاحب قرار إزالة الرسوم بل محافظ القاهرة فإن الفنانين حملوا رئيس الدولة المسؤولية.
وأصدر رئيس الحكومة هشام قنديل بيانا ينفي فيه صلة الحكومة بإزالة الرسوم وينسبه لعمال محافظة القاهرة الأمر الذي يشير إلى الانفصام بين السلطة التنفيذية وأجهزة الدولة.
ودعا قنديل إلى المزيد من الرسوم التي “تعكس روح ثورة 25 يناير.”
وتسجل رسوم الجدران في مصر وقائع الثورة والحريات التي تحققت نتيجة لها. وكانت الرسوم – التي يلتقط السائحون الأجانب والمصريون صورا لها – موجهة ضد مبارك والمجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد بعد سقوطه كما أنها تمجد النشطاء الذين قتلوا في الانتفاضة.
وخلال الفترة الانتقالية التي سبقت ولاية مرسي استخدمت السلطات الطلاء عدة مرات لمحو الرسوم الجدارية. وفي كل مرة عاد الرسامون ليؤكدوا ما يرون أنه حقهم في حرية التعبير.
ولم تقل محافظة القاهرة لماذا أزالت الرسوم هذه المرة. ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من متحدث في المحافظة.
وتحدث المعجبون بالعمل عن روح الدعابة في الرسوم وما بها من إبداع فني قائلين “ظهرت في بعض الجداريات خطوط من الرسوم الفرعونية”.
لكن الغضب الذي تسبب فيه إزالة الجداريات أثار نوعا من النقاش حول ميزات وعيوب التعبيبر الفني في شوارع دولة صار إسلاميوها في بؤرة الحياة العامة بها. ويعتبر بعض الإسلاميين الرسوم حراما.
وقال حسام عبد العزيز وهو كاتب إسلامي محافظ في صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إنه إذا كان مقبولا أن يرسم أحد الثوار الشباب على جدار في شارع فما الذي يمنع شخصا آخر من إزالة هذه الرسوم انطلاقا من إيمانه مثلا بأن تصوير الناس بالرسم حرام.
وتتنوع الانتماءات السياسية لرسامي الجدران ما بين يساريين وليبراليين وشيوعيين. وقال نادي الذي كان يرسم مرسي إن أفكاره مزيج من الأفكار اليسارية والإسلامية.
وهتفت مجموعة من عشرات النشطاء كانت تتابع عمل الرسامين في شارع محمد محمود الذي كان مسرحا لاشتباكات بين محتجين وقوات الأمن العام الماضي وهذا العام “امسح وانا ارسم تاني”.
وصاح النحات هاني راشد (28 عاما) وهو ينضم للمحتجين قائلا إن النشطاء أسقطوا مبارك ليحصلوا على الحرية وإن أحدا لن يستطيع سلبها وسيظلون يرسمون.
وقال إن أحدا لن يوقفه عن الرسم إلى أن يموت.
ووقفت قريبا سبع سيارات شرطة محملة بالمجندين لكن أحدا منهم لم يتدخل. وابتسم بعض المجندين وهم يرون الرسامين يرسمون ثم تركت العربات المكان بعد فترة وجيرة.
وكانت الشرطة انتشرت في ميدان التحرير بأعداد كبيرة يوم السبت وطردت الباعة الجائلين واقتلعت عددا من الخيام. وجاء ذلك بعد مظاهرات أمام السفارة الأمريكية القريبة احتجاجا على فيلم يسيء للنبي محمد أنتج في الولايات المتحدة.
وانتشر رجال المرور أيضا في الميدان بأعداد كبيرة للمرة الأولى منذ إسقاط مبارك.
والتحرير من أكثر مناطق العاصمة ازدحاما بالسيارات ويوجد على أطرافه المتحف المصري وجامعة الدول العربية ومجمع المصالح وهو مبنى ضخمم به مكاتب حكومية.
وأخذ عمال يرشون المياه اليوم على الحشائش والزهور التي زرعت حديثا في الحديقة الدائرية في وسط الميدان.
وقال صاحب منفذ لتوزيع الصحف تملكه أسرته منذ 45 عاما إن نظافة الميدان جاءت متأخرة. وأضاف “الناس كانت تخشى المجيء هنا.. كانوا يخافون من البلطجية.”
وأضاف الرجل (35 عاما) أن مبيعات المركز زادت خلال الأيام الماضية بسبب الوجود الأمني.
وقال عبد الحميد إبراهيم (65 عاما) وهو ينظر إلى العمال الذين يرشون الماء على الحشائش والزهور “أنا سعيد وأنا أرى هذا. أملي أن تبقى كذلك وأن تصبح أحسن.”
وأضاف “نريد أن نخطو للأمام. لا يمكن أن نعود إلى الخلف.”