هل تبقى اليونان في منطقة اليورو؟
تواجه اليونان الاربعاء تحديا جديدا في معركة بقائها في منطقة اليورو حيث تشهد البلاد اضرابا عاما ضد اجراءات التقشف التي يجرى الاعداد لها في لقاءات تغلفها السرية بين المستشارة الالمانية ومديرة صندوق النقد الدولي ورئيس البنك المركزي الاوروبي.
فقد دعت النقابتان الرئيسيتان في اليونان، الاتحاد العام للعمال اليونانيين والهيئة العليا لاتحادات موظفي القطاع العام (اديدي)، الى اضراب عام لمدة 24 ساعة الاربعاء مع تظاهرات احتجاجية على حزمة التقشف الجديدة التي تجرى بشأنها مفاوضات صعبة بين الترويكا المانحة للقروض (الاتحاد الاوروبي، البنك المركزي الاوروبي، صندوق النقد الدولي) وبين الحكومة الائتلافية بقيادة المحافظ انطونيس ساماراس.
ويبدو ان الدائنين الدوليين منقسمون بشان الاستراتيجة الواجب اتباعها حيال بلد يواصل اقتصاده الانزلاق في الركود حتى بعد حصوله على قروض بمليارات الدولارات لعملية انقاذ وضعه المالي التي بدات في ايار/مايو 2010.
وحذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مساء الاثنين في واشنطن من “مشكلة تمويل” اليونان التي تتعرض منذ اسابيع لضغوط من شركائها ودائنيها.
وقالت لاغارد “مع التأخر الكبير في عملية التخصيص (…) والحجم المحدود للعائدات الضريبية توجد مشكلة في تمويل البلاد”، مشددة على “ضرورة حل” مشكلة الديون هذه.
واكدت وزارة المالية اليونانية الثلاثاء انه يجري حاليا “درس” احتمال اعادة جدولة الديون اليونانية لدى البنك المركزي الاوروبي لتغطية العجز عن السداد، والذي تدور شائعات بشأن حجمه.
وقال مساعد الوزير كريستور ستايكوراس ان هذه العملية تشبه بداية اعادة هيكلة الديون وقد تشمل اصدار سندات بحوالي 28 مليار يورو تستحق بين 2013 و2016.
ورد البنك المركزي الاوروبي على الفور بان اعادة الهيكلة على حسابه امر غير مطروح، لان ذلك يوازي “تمويل دولة، وهو امر تمنعه” انظمة البنك المركزي، على لسان يورغ اسموسن، عضو ادارة البنك، في تصريح لصحيفة داي فيلت الالمانية الصادرة الاربعاء.
وبالمثل ترفض المانيا مثل هذا التمويل الاضافي.
لكن في اليونان، حيث يشهد الحزب النازي الجديد “الفجر الذهبي” صعودا متزايدا في استطلاعات الرأي بعد نجاحه في دخول البرلمان في حزيران/يونيو الماضي، وصل المجتمع نفسه الى حالة قصوى من التوتر بسبب خطة الانقاذ التقشفية التي تتبعها الحكومات المتعاقبة منذ اكثر من عامين.
وبعد اعمال العنف التي جرت خلال التظاهرات التي شهدتها البلاد في شباط/فبراير الماضي ضد التصويت على خطة الانقاذ الثانية يخشى الخبير السياسي ايلياس نيكولاكوبولوس مجددا من وقوع “حوادث” خلال تظاهرات الاربعاء.
ويفترض ان تتيح الاجراءات التي تناقش حاليا، والتي تتضمن خفضا للرواتب والاعانات والمساعدات الاجتماعية ترافقها اصلاحات بنيوية لتحديث الدولة وتحفيز القدرة التنافسية ومكافحة الفساد، توفير 11,6 مليار يورو من النفقات العامة لليونان وزيادة عائداتها بمقدار ملياري يورو.
ويعد اقرار هذه الحزمة في البرلمان شرطا للافراج عن دفعة بنحو 31,5 مليار يورو من قروض الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي تهدف خصوصا الى اعادة رسملة البنوك.
الا ان ثلاثة من مسؤولي الترويكا غادروا الجمعة اليونان من دون ان ينجحوا في الاتفاق كليا على هذه الاجراءات. واشارت الصحف اليونانية خصوصا الى تشدد ممثل صندوق النقد الدولي الذي يبدو انه طالب بمزيد من الاقتطاعات.
وكانت اليونان تعهدت في شباط/فبراير الماضي بخفض عجزها المالي، وفقا للمعايير الاوروبية، الى 2,1% من اجمالي الناتج الداخلي عام 2014 مرورا ب7,3% عام 2012 و4,6% عام 2013.
الا ان البلاد تريد الان الحصول الى عامين اضافيين لتحقيق ذلك والخروج من الدائرة المفرغة التي سقطت فيها.
في المقابل فان خطة التقشف التي فرضتها الجهات الدائنة لحل الازمة المالية اسفرت عن هبوط شديد في القدرة الاستهلاكية وفي حركة النشاط. ويشهد اجمالي الناتج الداخلي انخفاضا كبيرا في حين ان التوصل الى تصحيح الخلل في الميزانية يتطلب تشديدا مستمرا للاجراءات الامر الذي يؤدي في المقابل الى تعميق الازمة الاقتصادية والحركة الاحتجاجية.
وفي الوقت الذي يشاهد فيه اليونانيون انهيارا في عائداتهم مع تضخم ضريبي مستمر بالنسبة للعمال والموظفين والمتقاعدين فانهم لا يرون في المقابل اي تصد لمشاكل التهرب الضريبي المزمنة في البلاد.
وفي الاسواق يخيم التوتر بانتظار انتهاء هذا الماراثون الجديد وخاصة بعد شائعات نشرتها مجلة در شبيغل الالمانية، ونفتها الحكومة اليونانية، عن عجز قدره 20 مليار يورو يتعين سده.
وكانت برلين، الممول الرئيسي في الجانب الاوروبي، حذرت قبل الصيف من انه ليس من الوارد ان تطلب مجددا من دافعي الضرائب الالمان تمويل خطة مساعدة ثالثة. في حين ان مندوب اليونان في صندوق النقد الدولي اشار الاسبوع الماضي الى ان اي مساعدة جديدة، اضافة الى قرضي ال110 مليار وال130 مليار اللذين تم الاتفاق عليها بالفعل، لن تكون سوى من اختصاص الاتحاد الاوروبي وحده.
وفي الوقت الذي تواجه فيه ايضا اسبانيا مشاكل اقتصادية تثير قلق منطقة اليورو تستقبل المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الاربعاء المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في اجتماع مغلق بعد ان تلتقي الثلاثاء رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي.
وقبل ايام من اجتماع حاسم لوزراء مالية منطقة اليورو مخصص لليونان لم يكشف اي شيء عن مضمون او اجندات هذين اللقاءين اللذين لا يتوقع ايضا عقد اي مؤتمر صحافي بعدهما.