الشباب يتقهقرون في الصومال ولكن الخوف من حرب عصابات
لافتة مكتوبة بالعربية على قوس عند قنطرة مؤدية إلى ميناء ماركا الصومالي الذي انسحبت منه جماعة الشباب المتشددة تحت ضغط القوات الحكومية وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي تقول “الجنة تحت ظلال السيوف”.
هذه اللافتة التي تقع إلى جانب عامود أبيض قرب الساحل كانت الحركة تنفذ عليه عمليات الاعدام العلنية واحدة من الرموز التي تذكر بسنوات اربع سيطرت فيها جماعة الشباب الحليفة لتنظيم القاعدة على هذه البلدة الساحلية التي تقع على بعد 90 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة مقديشو.
وحقق هجوم قوي تشنه قوات حفظ السلام في الصومال التابعة للاتحاد الافريقي إلى جانب القوات الحكومية تقدما كبيرا خلال العام الماضي لطرد مقاتلي الشباب من معاقلهم في جنوب وسط الصومال. وهاجمت قوات كينية اليوم الجمعة مدينة كيسمايو آخر المعاقل الكبيرة للمتمردين الاسلاميين.
ولأول مرة منذ مطلع التسعينات تلوح في الأفق امال في اقتراب الصومال من المرحلة الاخيرة من حلقة العنف المفرغة التي يعيشها.
لكن بينما يلقى النجاح الذي تحققه القوات المتحالفة امام الشباب ترحيبا من الحكومة الصومالية وحلفائها في الغرب هناك مخاوف من الا يمثل سقوط كيسمايو ضربة قاضية للجماعة المتمرسة. ويعتقد بعض الخبراء ان الجماعة ستعيد الانتشار لتشن حرب عصابات وهجمات تفجيرية على المدن.
ويبدو سكان ماركا سعداء عموما برحيل الشباب. لكنهم يقولون ان هجمات بالقنابل ما زالت ليلا تقع مما يشير إلى ان المتشددين او على الاقل أنصارهم ما زالوا موجودين. ولم تصل الشرطة بعد إلى البلدة لكن جنودا من القوات الخاصة الصومالية يرتدون اقنعة يقومون بدوريات في بعض الشوارع.
وقال مسؤول امني غربي مقيم في مقديشو لرويترز “الهدف الاستراتيجي للمتشددين على المدى الطويل قد يكون بسيطا للغاية .. وهو استنزاف قوة حفظ السلام وتشتيت قواها.”
ولم يعين الرئيس الصومالي المنتخب حديثا حسن شيخ محمود رئيسا للوزراء بعد أو مساعدين امنيين مما يثير مخاوف من ان تستغل الميليشات والعشائر المتناحرة اي فراغ في السلطة.
وفي ماركا المدينة الساحلية الجميلة ذات البنايات السكنية المكونة من طابقين بنوافذ وأبواب ملونة يتذكر رئيس البلدية المعين مؤخرا احمد معلم عبدي كيف غير وجود جماعة الشباب حياة سكان المدينة التي كانت مجتمعا هادئا ومسالما يعيش على صيد الاسماك والزراعة.
وقال عبدي الذي فر من البلدة خلال سيطرة المتشددين عليها “تحولت الحياة المريحة إلى حياة كلاب. فرض الشباب حكمهم القاسي من قطع الايدي والارجل والرجم حتى الموت والجلد واجبار التجار والمزارعين والرعاة على دفع الزكاة. وحرموا التجمعات الاجتماعية.”
والان تمتلي شوارع ماركا الضيقة برجال يرتدون القمصان والعباءات ويجلسون امام اكشاك بينما يتجمع الذباب على ما يبيعون من الأسماك والذرة والخضروات.
ووصف بيتر اومولا الكولونيل بالفرقة الاوغندية التابعة للاتحاد الافريقي التي أمنت ماركا كيف لقيت قواته ترحيبا حارا من السكان المحليين بعد ان فر المتشددون دون مقاومة تذكر.
وقال اومولا في باحة منزل يقول ان الشباب كانوا يستخدمونه كقاعدة “كان المدنيون سعداء جدا وهم يلوحون ويرحبون بنا.”
وتحدث السكان بارتياح عن حرياتهم التي استعادوها.
وقال عبد الرشيد ادم “هناك تغيير كبير في المدينة. عندما كان الشباب هنا لم نكن نستطيع بيع ما نريد. كانوا يلقون القبض علينا طوال الوقت ولم يكن بامكاننا بيع التبغ والسجائر.”
واضافت نعيمة محمد الفتاة التي ترتدي وشاحا على رأسها “لم يكن بامكاننا الاستماع إلى الموسيقى او مشاهدة التلفزيون.”
وقال علي اوبان الفتى البالغ من العمر 15 عاما ان مقاتلي جماعة الشباب الذين كانوا يجوبون البلدة بحثا عن المخالفين لتفسيرهم للشريعة الاسلامية اجبروه على حلق رأسه تماما.
وقال ابان وهو يصف قصة الشعر التي كان يتخذها “عندما قمت بقص شعري كما احب ضربوني. أنا اكرههم.”
لكن بعض السكان يشعرون بالخوف من التعبير صراحة عن انتقادهم للشباب خوفا على ما يبدو من ان يكون المتشددون ما زالوا في البلدة بملابس مدنية.
وقال رجل وهو يقف قرب عامود ابيض عند الشاطئ كتبت عليه عبارة “الله اكبر” حيث كان الشباب ينفذون أحكام الاعدام “لو عرفت ما يقدرون عليه لخشيتهم.”
لكن جماعة الشباب لم تكن دائما جماعة مكروهة. ففي بعض المناطق الصومالية يقول السكان انها ما زالت تتمتع بالتأييد خاصة لأن اعضاءها يحافظون على النظام والامن في مناطق سادتها الفوضى لسنوات.
والآمال عريضة في أن يتمكن الرئيس الجديد محمود من الاستفادة من المكاسب الأمنية التي تحققها قوات حفظ السلام ضد المتمردين.
لكن المتشددين اظهروا له أنه يواجه مهمة شاقة. فبعد يومين من توليه المنصب هاجم انتحاريون فندقا كان يعقد فيه مؤتمرا صحفيا فقتلوا ثمانية أشخاص. ولم يصب محمود ووزير خارجية كينيا الذي كان حاضرا أيضا بأي أذى.