أيا يكن الفاعل… لقد نجح في إعادة لبنان إلى الوراء
جاد عويدات
الانفجار الذي هز منطقة الأشرفية في بيروت أعاد اللبنانيين سنوات إلى الوراء. مشهد الدمار والخراب والقتلى والجرحى في وسائل الإعلام، أعادت إلى الأذهان الصورة النمطية عن لبنان. أهي صور ومشاهد من أعوام الثمانينات والتسعينات أم من العام ٢٠٠٥؟ ألخ. أدى هذا الانفجار إلى سقوط ثمانية ضحايا واكثر من سبعين جريحا وتم خلاله استهداف رئيس ومؤسس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد وسام الحسن. لقد أثبت فرع المعلومات على مدى السنوات الماضية كفاءة عالية وحرفية مهنية من خلال كشفه العديد من الجرائم والشبكات التجسسية الإسرائيلية في لبنان وساهم في كشف الكثير من الخيوط في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وآخر إنجازات هذا الجهاز الأمني كان الكشف عن مخطط لميشال سماحة الذي نقل عبر سيارته الخاصة المتفجرات من سوريا بهدف استخدامها في مناطق لبنانية بحسب تسريبات قضائية للصحافة اللبنانية. العميد وسام الحسن شهيد آخر لفرع المعلومات وربما لن يكون الأخير فقبله استشهد النقيب المهندس وسام عيد المسؤول عن ملف تفكيك شيفرة الاتصالات واستطاع ان يحقق خرقاً في التحقيق في جريمة اغتيال الحريري عام ٢٠٠٥ هو الذي خلف الرائد سمير شحادة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في منطقة الرميلة لارتباطه بنفس الملف.
ما أن أُعلن عن اغتيال العميد الحسن حتى صدرت البيانات المستنكرة والمنددة بالانفجار من كافة القوى السياسية والدينية، الصديقة منها والخصمة كحزب الله والجنرال عون كذلك فعلت سوريا وإيران وباقي الدول. في لبنان، صبّت قوى الرابع عشر من آذار جام غضبها واتهامها في اتجاه واحد. المتهم الأوحد هو النظام السوري. واعتبرت أن “اغتيال العميد الشهيد وسام الحسن هو إعلان أن قوى الشر والإرهاب مصممة ومستمرة في محاولة إنجاز ما بدأته في عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري”، وحملت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المسؤولية السياسية المباشرة وتبعات هذا الاغتيال ودعته إلى تقديم استقالته لكي لا يكون شريكا في هذه الجريمة. رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وجه بدوره الاتهام مباشرة إلى “بشار حافظ الأسد” بالوقوف وراء الجريمة وتعهد أمام الشعب اللبناني بانه لن يسكت ولن يهدأ له بال. بعض المغالون حمّل المسؤولية للنظامين السوري والإيراني وحليفهما حزب الله كالشيخ “الظاهرة” أحمد الأسير والنواب خالد الضاهر ومعين المرعبي من كتلة تيار المستقبل. أما مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار فدعا بدوره إلى التهدئة، لكنه لم ينجح في ثني الغضب الشعبي من التعبير والاحتجاج بوسائل أحيانا غير مُحبّذة.
شهد لبنان وما يزال، بعد اغتيال العميد الحسن، توترا كبيرا في مناطقة عدة في الشمال وبيروت وصيدا والبقاع. قُطعت خلالها الطرقات بالسواتر الترابية والإطارات المشتعلة احتجاجا وكان لمناطق الشمال النصيب الأوفر من انتشار المسلحين في طرابلس وعكار، كما حصلت بعض المواجهات المسلحة بين عناصر من الإسلاميين وحركة التوحيد الإسلامية أدت إلى مقتل الشيخ عبد الرزاق الأسمر في الاشتباكات التي اندلعت في حي أبي سمرا في طرابلس. وعادت تُسمع الطلقات النارية بين باب التبانة وجبل محسن.
بكل تأكيد، يحق لأطياف المعارضة اللبنانية الحالية كافة تحميل مسؤولية الاغتيال الأخير إلى سوريا الأسد واتهامها مباشرة خصوصا بعد الكشف عن شبكة ميشال سماحة مؤخراً، وان ما زال رهن التحقيق، ولأن الكثير من المعطيات التاريخية والجنائية تشير إلى ضلوع سوريا في الكثير من الاغتيالات التي وقعت في لبنان في تاريخه الحديث. والسؤال الدائم الذي يطرح نفسه، لماذا لم تنل هذه الجرائم إلا من رموز السياسة والإعلام المنتمين إلى طرف سياسي دون غيره؟ مع استثناء حادثة اغتيال العميد فرانسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني والمحسوب على المؤسسة العسكرية. يحق لقوى الرابع عشر من آذار تحميل المسؤولية السياسية للحكومة لأن خسارة العميد الحسن هي بمثابة الصفعة وهو الذي ترأس جهازا أمنيا أثبت فعاليته في حماية الكثير منهم. لكن ما لا يحق لهذه القوى السياسية، التي تمثل شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، أن تعبث بالسلم الأهلي من خلال الخطب النارية وتأجيج الشارع والوقوع في آتون الخطاب الطائفي والتحريضي وعندها لن يستطيع أي من السياسيين منع الفوضى والخراب. أما في السياسية، فوليد جنبلاط الذي اتهم الرئيس السوري بالوقوف وراء حادثة الاغتيال ما زال شريكا في حكومة ميقاتي التي هي وليدة النظام السوري وحزب الله بحسب قوى ١٤ آذار. فما الذي يمنعه إذاً من إعادة التموضع ليمّكن المعارضة من العودة الى الحكم أم ان الظروف الدولية لم تسمح بعد لمثل هذا السيناريو؟ هذا الخوف من الفراغ السياسي يمنع العملية الديموقراطية من السير في مجراها الطبيعي ويترك الكلمة الفصل للشارع اللبناني الهادر.
يبقى أن نتساءل عن هوية المستفيد من هذا الانفجار. وهل هناك فعلا مصلحة للنظام السوري وحزب الله في حادثة الاغتيال؟ من بالغ الصعوبة الجزم ببراءة أجهزة الأمن السورية من التفجير، فهي متهمة حتى إثبات العكس وكما أشرنا مسبقا تاريخ لبنان الحديث يضعها فورا في دائرة الاتهام. أيضا من السهل جداً اتهام سوريا بالوقوف وراء اغتيال وسام الحسن، لا شك بأن الضحية يمتلك الكثير من المعلومات عن النظام السوري المتهاوي، تحت الضغط الشعبي داخليا وضغط المجتمع الدولي خارجيا، والتي تدينه. كذلك كان لفرع المعلومات الفضل في كشف أكثر من ثلاثين شبكة تجسس إسرائيلية في لبنان. إسرائيل التي تعيش أفضل أيامها أمنيا، لا يمكن لعاقل أن يبعدها أيضا عن دائرة الاتهام من هنا وجب التروي! أما بالنسبة لحزب الله فمن المرجح بأن ليس له أية مصلحة في الضلوع في مثل هذه الأحداث وهو الذي خسر الكثير والكثير من مؤيديه اللبنانيين وفي العالم العربي بعد صدور قرارات ظنية من المحكمة الدولية بحق بعض عناصره في جريمة اغتيال الحريري. وإذا لم يعد لدى الرئيس السوري ما يخسره فإن لحزب الله حساباته الخاصة. إن الملف الأمني لميشال سماحة في عهدة الرئيس الجمهورية ميشال سليمان والقضاء العسكري، من الضروري جداً وضع النقاط على الحروف.
أيا يكن الفاعل، لقد نجح في تعميق الهوة والانقسام الحاد بين اللبنانيين. إن ما يشهده لبنان من تبعات هذا الانفجار، لا يبشر بالخير ويهدد السلم الأهلي في وطن الأرز المهدد.