لبنان وسط لعبة شد حبال فرنسية سورية
باريس- بسّام الطيارة
يبدو وكأن وراء كواليس الحلبة الديبلوماسية التي تحيط بالأزمة السورية لعبة شد حبال بين باريس ودمشق. إذ بموازاة الضغوط الديبلوماسية والعسكرية والسياسية التي تقوم بها مجموعة الدول المؤيدة لنظام بشار الأسد في مقابل الممانعة المضادة التي تعتمد على روسيا والصين وإيران بشكل أساسي لدعم النظام، تبدو «ديبلوماسية» باريس مختلفة جداً بمقاربتها للحرب الأهلية الدائرة في بلاد الشام.
وبالطبع لا يغيب عن بال أي مراقب أن «انعكاسات الأزمة السورية على لبنان» تلعب دوراً كبيراً في ضبط إيقاع التحركات الفرنسية، حسب قول مصدر ديبلوماسي مطلع لـ«برس نت».
وقد بان هذا من إجابات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مؤتمر صحافي استثنائي عقده بمناسبة مرور ٥ أشهر على استلامه مقاليد الكي دورسيه. فقد كانت إجاباته عن أي سؤال عن لبنان تحمل «بعضاً من أزمة سوريا».
وقد لوحظ عندما تطرق الوزير إلى «ما حصل في لبنان» في إشارة إلى عملية الاغتياللم يجزم بتوجيه أصابع الاتهام إلى دمشق كما حصل قبل يومين بل شدد على ضرورة «انتظار نتائج التحقيق»، وإن هو لمح إلى «استفادة بشار من نقل التوتر إلى لبنان».
وعندما تعجب صحافياً عبر سؤال عن دعم باريس «لحكومة يسيطر عليها حزب الله» حسب حزب الله، في إشارة إلى تحرك سفراء الدول الغربية عقب اغتيال اللواء الحسن لدعم حكومة ميقاتي، أجاب فابيوس مروراً من الأزمة السورية فقال« إن الوضع معقد أكثر مما تصورون» وتابع نحن «نريد أن يستمر التماسك اللبناني وبالتالي غلينا أن نجنب لبنان عدوى النزاع في سوريا». وشدد الوزير على أن باريس «تظهر تضامنها مع الشعب اللبناني بأسره» من هنا تجنب «تحريض طرف على آخر» إذ ترى باريس أن أي بلبلة في بلاد الأرز «ستكون في مصلحة أولئك الباحثين عن تفكيكه» وتابع فابيوس بأن «هذا تكتيك استخدمه في الماضي النظام السوري، ولن نذهب في هذا الاتجاه». وإردف قائلاً «لا نريد مليون متظاهر في مواجهة مليون متظاهر» في تذكير لمظاهرات المليونية التي تنافست على الساحة اللبنانية عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد شدد فابيوس مرتين على في إجاباته على دعم الرئيس ميشال سليمان ودعا إلى تآلف اللبنانيين والتفافهم لحماية بلدهم.
وقال مصدر ديبلوماسي لـ«برس نت» إن باريس تدرك أن غياب حكومة ميقاتي (وقد رفض المصدر نطق كلمة إسقاط) اليوم تعني الدخول في مصير مجهول وهو ما يخدم «كل من يريد نقل الأزمة إلى لبنان». وشدد المصدر على أن «كل خلخلة للاستقرار في لبنان تخدم نظام الأسد»، ونوه المصدر بسياسة النأي بالنفس واعتبر «أنها اليوم المسلك الوحيد لإبقاء لبنان خارج ترتبات النزاع».
رغم مدح فابيوس لـ«مقدرات الديبلوماسي المخضرم الاخضر الابراهيمي» إلا أن حديثه حول مهمته بدا أقرب لاستنتاج فشل هذه المهمة وإن هو «تمنى له النجاح». إلا أن فابيوس أشار إلى أن باريس وحلفاءها الغربيين لا يرمون جانباً «إتفاق جنيف»، في رد مباشر على اتهامات موسكو، وشدد قائلاً «لقد وقعنا على هذا الاتفاق». ولكنه كشف على أن مضامين هذا الاتفاق لا يمكن تفسيرها كما تفسرها موسكو أي «بقاء بشار». ولم يتردد الوزير الفرنسي من الكشف عن أن المجتمعين في جنيف «تحدثوا في الأروقة حول المكان الذي يمكن أن يذهب إليه بشار» حسب قوله، لأن أي مرحلة انتقالية «يقبل بها الطرفان» لا يمكن أن تضمن بقاء بشار.
بالطبع لا تقف دمشق مكتوفة الأيدي أمام التحرك الفرنسي خصوصاً بعد لقاء الاسبوع الماضي الذي انحصر هذه المرة بلجان ثورية محلية وتحدثت خلالها باريس صراحة عن «مناطق محررة يجب مساعدتها مباشرة». فقد أشارت الخارجية السورية إلى ان «الحكومتين الفرنسية السابقة والحالية تتابعان تحديهما الصارخ للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والتزاماتها كعضو دائم في مجلس الامن» وشدد بيان الخارجية السورية على أن هذا التحدي يتمثل بـ«الدعم الذي تم تقديمه للعصابات الارهابية المسلحة في سوريا» في إشارة مباشرة إلى إعلان باريس تقدم دعم مالي مباشر «يداً باليد» إلى لجان محلية ثورية وهو ما أكده البيان الذي أعلنته وكالة الأنباء السورية وتابعت الوزارة تقول «وتتجلى تحديات فرنسا من خلال الدعم الذي تم تقديمه للعصابات الإرهابية المسلحة في سوريا والذي تمثل بأشكال عديدة منها المالي والمادي».
وأهمية هذا التراشق الاتهامي بين باريس ودمشق أنه يأتي على خلفية استعداد الأم المتحدة لتشكيل «قوة فصل بين المتحاربين» كما كشف عنه مسؤول قوات السلام في الأمم المتحدة «هرفيه لادسوس» عندما تحدث عن فرضيات عدة من بينها تشكيل قوة إما دولية أو عربية. إذ يبدو أن دمشق تعارض بقوة تشكيل مثل هذه القوة للفصل خوفاً من أن تشكل «درع حماية للمناطق التي تعمل فيها باريس على تأمين مساعدات للجان الثورية» وهو ما وصفه فابيوس بأنه «التحضير لمرحلة ما بعد بشار».