معارك موسم قطاف الزيتون في فلسطين
كتبت دومنيك روك*
لربما حصاد الزيتون هو الموعد السنوي الأهم في حياة المزارع الفلسطيني. هذا الموسم الذي يمتد هذا العام من شهر تشرين الاول/أوكتوبر الى تشرين الثاني نوفمبر.
وتكاد تكون شجرة الزيتون مقدّسة لدى الفلسطنيين كونها ترمز بشدّة الى وجودهم وصمودهم على أرضهم المحتلة من قبل عدو اسرائيلي أصبح “شريكا في السلام” منذ اتفاقيات أوسلو. غير ّ أن هذا “الشريك” لا يعترف أن هذه الأرض – و بالأخص الضفة الغربية والقدس الشرقية – هي أرض محتلة في الأساس.
وعندما يقدم الاسرائيليون، أكانوا عسكريين أو مستوطنين، على اقتلاع أو جرف أو حرق شجر الزيتون، يشعر تقريبا كل فلسطيني أنه هو الذي يتم اقتلاعه من أرضه.
تشكّل زراعة الزيتون الى جانب بعدها الرمزي والثقافي القوي،مصدرالعيش بالنسبة لثمانين ألف عائلة في الأراضي الفلسطنية المحتلة وتساهم بنسبة 14 في المئة في المدخول الزراعي للمناطق الفلسطنية وفقا لأرقام ووقائع نشرها، في شهر تشرين الأول/أوكتوبر 2012 ، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية للأراضي الفلسطنية المحتلة “ِأوتشا” (OCHA :Office for the Coordination of Humanitarian Affairs) ) .وتضيف الأمم المتحدة أن ثمانية و اربعين في المئة من الأراضي الزراعية الفلسطنية، معظمها في الضفة الغربية، مخصصة لزراعة شجرة الزيتون اللتي يبلغ عددها ثمانية ملايين شجرة.
ومنذ مطلع هذا الشهر يمكن مشاهدة عائلات المزارعين بأكملها تشارك في قطف ثمرة الزيتون من بين تلال الضفة الغربية وغالبا ما تنتهي أيام القطف هذه عند معصرة البلدة او المدينة . وسبق لي أن شاركت في “تغطية ” قطف الزيتون وكانت هذه التغطية الاعلامية تتتوج دوما مع اقدام المزارع وعائلته على اهدائي زجاجة أو ربما أكثر من زيت زيتون فلسطين..
يواجه المزارعون في “معركتهم” السلمية من خلال زراعة الزيتون لتأمين لقمة عيشهم والابقاء على علاقتهم بأرض أجدادهم اللتي لم يغادروها يوما،تحديات كبيرة أولها عنف المستوطنين اليهود تجاههم على مدار السنة و يبلغ هذا العنف ذروته أثناء فترة الحصاد. و تكثر الأمثلة عن حوادث وقعت أثناء الموسم الحالي وثقتها منظمات اسرائلية وفلسطنية تعنى بحقوق الانسان .
منذ مستهل هذا الموسم، أقدم مستوطنون متشددون على اتلاف أو قطف وسرقة الزيتون من أربع مائة وخمسين شجرة على الاقل. في قرية «الجنييا» ،غرب رام الله، فوجئت عائلة «أبو فوهيدة» بمشاهدة خمسة وعشرين شجرة زيتون قديمة متلفة كليا وذالك على مقربة من مستوطنة “زاييت راعنان”.في قرية أخرى قرب رام الله أقدم مستوطنون يهود ملثمون برجم المزارعين الفلسطنيين بالحجارة مما أدى الى اشتباك بين الطرفين وعندما وصل الى المكان الجنود الأسرائليون الموكلين بحماية عملية قطف الزيتون لتلك الأراضي الواقعة في جوار المستوطنات لزم المستوطنون بالفرار باتجاه مستوطنة “ناحييل”. و بدلا من السماح للمزارعين الفلسطنيين باستئناف عملية القطف،أمرهم الجنود بالعودة الى منازلهم.
وهذه الحوادث وغيرها، لا سيما قرب مستوطنة “براخا” في منطقة نابلس حيث جرح رجل وامرأة فلسطنيين في طريقهما الى حصاد الزيتون عندما أقدم مستوطنون بالقاء الحجارة عليهم في حادثين في تاريخ 17 و 19 تشرين الأول، حملت منظمات اسرائلية ناشطة في حقوق الأنسان على توجيه رسالة منذ بضعة أيام الى وزير الدفاع الاسرائلي ايهود باراك طالبين منه تعزيز القوات الاسرائلية بغية تمكين المزارعين الفلسطنيين من اتمام عملية حصاد الزيتون.
الا أن العنف الاستطاني ليس التحدي الوحيد اللذي يواجهه ا المزارعون الفلسطنيون خاصة اللذين تقع اراضيهم الزراعية خلف جدار الفصل الذي بنته السلطات الأسرائيلية داخل الضفة الغربية واللذي يفصل عمليا بين المزارع وأرضه.
إذ رغم اقدام اسرائيل في 2012 على زيادة عدد بوابات الدخول الى الأراضي الواقعة خلف الجدار لتصل الى اثنين وسبعين، الا ان هذه البوابات غالبا ما تبقى مغلقة طوال السنة ولا تفتح سوى في فترة الحصاد ولساعات محدودة! ووفقا لوقائع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في الاراضي الفلسطنية المحتلة ،فإن آلاف من الفلسطنيين يحرم ون من تصاريح الدخول الى أراضيهم “لأسباب أمنية” أو لعدم تمكنهم من اثبات “علاقتهم بهذه الأرض” وفقا للمعايير الاسرائلية!
ويحول هذا “النظام ” الاسرائيلي دون تمكن المزارعين الفلسطنيين من الأعتناء بأرضهم كما يجب على مدار السنة. و تؤكد الأمم المتحدة أن هذا الوضع يؤدي الى انخفاض في النوعية وكمية حصاد الزيتون.
اما بالنسبة للأراضي الزراعية الفلسطنية اللتي تقع في جوار خمسة وخمسين مستوطنة يهودية في الضفة فقد اعتمد الجيش الاسرائيلي نظاما يمنح المزارع بضعة أيام فقط سنويا للتردد الى أرضه..و أعتبرمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في الأراضي الفلسطنية المحتلة “أن هذا النظام يعاقب المزارعين وذالك بالحد من حرية تنقلهم بدلا من فرض القانون على المستوطنين اللذين يلجأون الى العنف “.
ويؤكد بعض المزارعين أن تصرفات المستوطنين والمؤسسة الاسرائلية معا تندرج في خدمة هدف واحد وهو قطع العلاقة بين الفلسطيني وأرضه. ولن أنسى يوما ما قالة لي في قرية ” فلامية” قرب مدينة نابلس مزارع فلسطيني وهو يشير بألم الى أراضيه الزراعية اللتي باتت تمتد أممنا لكن خلف الجدار الاسرائيلي: ” أنظري الى هذه الأرض، نها أمنت عيش عائلتي واولادي. أمنت لقمة العيش والمدارس والمصروف على مدار السنين. أما الآن ماذا سأفعل؟ أيريدونني أن أتحول من مزارع يعيش بكرامة الى عامل يومي ينتظر منذ ساعات الفجر في الطابور لكي يأتي “معلم”اسرائيلي ليشغله في بناء المستوطنات اليهودية على أرضنا!؟”
ولن يبقى أمام المزارعين الا أن يأملوا بأن “تستمع” اسرائيل الى نصائح الأمم التحدة اللتي أكدت أنه “يجب على اسرائيل ،كونها السلطة المحتلة ،أن تلتزم بواجباتها تحت القانون الدولي وهي حماية المدنيين الفلسطنيين والممتلكات. كما يجب أن تؤمن وصول المزارعين الفلسطنيين بأمان ومن دون أية عائق الى أراضيهم الزراعية على مدار السنة ومحاسبة المسؤولين عن الهجمات”.
مراسلة راديو فرنسا في الأراضي المحتلة