مستقبل تونس بعد انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي
وردة السعدي
أيام قليلة تفصلنا عن انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي، وهي أوّل انتخابات شفافة، حرّة وديمقراطية في تونس. ولهذه المناسبة، نظّمت الجمعية الفرنسية “تيرا نوفا”، الاثنين 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر، نقاشا مع سبعة مرشّحين، حول مستقبل تونس بعد انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي، في مقرّ “لابال فيلواز”، الدّائرة العشرين بباريس.
تحت عنوان: “بعد الرّبيع العربي: الانتخابات التّونسية”، أرادت جمعية “تيرا نوفا” تسليط الضوء على هذه الفترة التّاريخية في حياة التّونسيين، وخصوصاً قلب صفحة بن علي وتأسيس جمهورية جديدة. تساؤلات عديدة فتحت باب النّقاش وارتكزت أساسًا حول المشهد السّياسي الحالي في تونس، ورهانات الانتخابات القادمة، والحزب الأكثر تناسبا لهذه الدّيمقراطية النّاشئة، ثمرة الرّبيع العربي.
وحضر النّقاش كلّ من: رئيس قائمة حزب التّكتل الدّيمقراطي من أجل العمل والحريات بدائرة فرنسا 1، سليم بن عبد السّلام، ورئيسة قائمة حزب آفاق تونس بدائرة فرنسا 1، نجوى بن ناصر، وممثّل رئيس قائمة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بدائرة فرنسا 1، شماخ مختار، ورئيسة قائمة حزب القطب الديمقراطي الحداثي بدائرة فرنسا 1، نادية شعبان (وهي ممثلة ائتلاف أربعة أحزاب: حركة التجديد، والحزب الاشتراكي اليساري، والحزب الجمهوري وطريق الوسط)، وأستاذة الحقوق، رئيسة القائمة المستقلة بدائرة فرنسا، نجاة ميزوني، وعضو المكتب السّياسي للحزب الديمقراطي التّقدمي، عدنان بن يوسف، والنّاطق الرّسمي باسم حركة النّهضة بفرنسا، حسين الجزيري.
استهل النقاش بعرض كلّ مشترك ملخصا قصيرا عن برنامجه السّياسي والالتزامات تجاه التونسيين لإرساء الديمقراطية وتدعيم حرية التعبير بكلّ أشكالها (حرية الصّحافة، حرية العقيدة، حرية المرأة، الحرية الفردية، الحرية الجماعية…)، وعدم المساس بالحريات المكتسبة للمرأة. وتبع نقاش المشتركين أسئلة الجمهور، وغالبيته من الشّباب الجامعيين.
وخلال النقاشات، بدا جليا، توافق أطراف مع أطراف أخرى. فحسين الجزيري كان على طول الخط مع فكرة “الهوية العربية الإسلامية” التّي ركّز عليها شمّاخ مختار، والتفريق بين السياسة والدين وعدم المساس بكرامة وحريات المرأة. أمّا الشّخصيات النسوية فقد ركزت اهتماماتها على “المواطن التونسي”، كما صرحت نجوى بن ناصر، إذ جعلته في “قلب برنامج” حزبها، وكذا الاهتمام بجلّ الكفاءات التونسية من دون تفرقة أو تمييز ووجوب قيام عدالة انتقالية وشفافة والحفاظ على مكتسبات المرأة. وركّزت نادية شعبان على وجوب التّخلص من فكرة “الزّعيم” و”الفكر الوحداوي” والتّهميش والفساد والزّبونية، وأشادت بوجوب تمثيل صورة تعكس المجتمع التونسي وخصوصاً التّمثيل الحسن لدور المرأة. أمّا نجاة ميزوري، فقد ركزت على مبدأ “المساواة” بين الرجل والمرأة على جميع المستويات؛ في العمل والتعليم والمساواة الاجتماعية وغيرها، وقيام دولة القانون. وفي ردّ على أحد أسئلة الحاضرين في قضية المرأة والتّخوفات الإسلامية، قالت: “لا نريد أن يتكلم أحد عنّا. فنحن أدرى بأنفسنا، ولا نريد أيّا كان استعمالنا كورقة لسياسته، اتركونا في سلام!”.
وقال عدنان بن يوسف إنّه من الضّروري الحفاظ على أساس العلمانية وحرية التعبير والتحذير من الوقوع في ديكتاتورية من نوع آخر، يكون فيها الخلط بين السياسة والدين، منتقدا في ذلك حزب النهضة. وأثار سليم بن عبد السلام الدّور الأساسي للمغتربين التونسيين في تجسيد المشروع الاجتماعي التّونسي والقضاء على الشرطة السياسية لاسيما في القنصليات التونسية، مشدّدا على أنّ “دور الموظف في القنصلية هو خدمة التونسي المغترب لا القيام بدور الشّرطي”، والحفاظ على مبدأ العلمانية.
ولم يخل النّقاش من أحداث الاحتجاجات على قناة “نسمة” لبثها فيلم “برسيبوليس”، ووجّه العديد من الطلاب الحاضرين أصبع الاتهام نحو حركة النّهضة، واتهموها بالمساس بحرية التعبير والصحافة خصوصاً عندما وجه أحد الحاضرين من الجمهور سؤالا لحسين الجزيري ما إذا كانت حركة النهضة تندّد “بنعم أم لا” على هذه الأحداث وكذا الهجوم على منزل مدير القناة. فكان جوابه أنّ “في السياسية لا وجود لنعم أم لا!”. وندّد أحد الطلاب بخطر الوقوع في مصيدة “الحجب والرقابة” عندما طرح شماخ مختار فكرة “وزارة تحاسب العلمانيين المتطرفين أوالإسلامويين المتطرفين”.
عدنان بن يوسف لم يسلم من النقد أيضا، بحيث وجد نفسه محرجا مرات عديدة، أكان ذلك في المواقف الغامضة حول فكرة الائتلاف مع أحزاب أخرى ثم تكذيب ذلك في مناسبات عديدة، أو في فكرة “الديمقراطية التدريجية” التّي نقلتها جريدة “لوموند” الفرنسية على لسان نجيب الشابي.
ويبدو أنّ تفاعل الجمهور يدلّ على رغبته في القطع تماما مع كلّ ما له صلة بالنّظام السّابق والحفاظ على المكتسبات العلمانية لاسيما حرية الصّحافة والتّعبير وعدم الوقوع بين براثين الإيديولوجيات المتطرفة.