الاتحاد الأوروبي في سباق مع “تسونامي” الإفلاس
تعيش أوروبا، بعيداً عن الضجيج الإعلامي الذي رافق القبض على القذافي وقتله، حالة رعب من شبح أزمة مالية رهيبة يمكن أن تطيح بعدد من أكبر المصارف وتقود إلى إعلان إفلاس عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتزيد من حدة الانكماش في اقتصاد العالم.
انتقل فجأة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى فرانكفورت لحضور «حفل برتوكولي بسيط» لوداع رئيس البنك المركزي الأوروبي كلود تريشيه. بالطبع الهدف ليس شرب نخب المتقاعد بـ«معاش ذهبي»، ولكنه كان مناسبة للقاء كبار الممسكين بمقاليد مصير أوروبا المالي: المستشارة أنجيلا ميركل ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيس اليووغروب (Eurogroupe)جان كلود جونكر ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان روبويي، إلى جانب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو ورئيس البنك المركزي الأوروبي الجديد ماريو دراغي.
هذا اللقاء الذي حصل بعيداً عن الأضواء والإعلام كان مقدمة لقمة الاتحاد الأوروبي في ٢٣ تشرين الأول/أوكتوبر التي ينتظرها العالم لتبيان ما يمكن أن يحصل، ليس فقط في اليونان بل في إيطاليا واسبانيا، كما أن إمكانية الفشل التي تحوم فوق اللقاء قبل حصوله يمكن أن تقود إلى سلسلة من الإفلاسات ككرة ثلجية يعرف البعض أين تبدأ نزولها ولا يمكن التكهن بالقعر الذي يمكن أن تستقر فيه.
هدف القمة المعلن منذ عشرة أيام مختلف: فساركوزي يريد «كسر حدة تأثير الأسواق المالية» ويسعى لفرض «هدوء على الأسواق والمضاربين» عبر وضع خطة «عملاقة وشاملة» تردع المضاربين عن «الحراك اليومي المتزايد عند كل خبر يصدر من هنا أو هناك»، حسب قول أحد المقربين من المباحثات. ويدرك الجانب الفرنسي أن الفشل في الوصول إلى اتفاق مع الشركاء الأوروبيين يعني قبل كل شيء ردة فعل سلبية في الأسواق المالية، تنعكس مباشرة على انهيار المعالجات التي مورست في الحالة اليونانية ويعقبها تراجع حاد في وضع المديونية الإيطالية والإسبانية، وهذا ما يقود إلى انهيار ملائة عدد من المصارف الأوروبية الكبرى، وخصوصاً الفرنسية التي «حُملت أوراق عفنة» في الشهور السابقة لتدارك انهيار اقتصاديات اليونان والبرتغال.
ومن هنا طلبت فرنسا بأن تكون «قرارات القمة رادعة ومكثفة»، لتشير إلى «قرارات سياسية حاسمة تخرج أوروبا من الأزمة”.
إلا أن الصدى الذي يأتي من الجانب الألماني مغاير تماما لرغبات ساركوزي. فالمستشارة ميركل ترى في القمة «مرحلة من مجموعة مراحل يجب أن تقود إلى الحلول» وليس الهدف النهائي. فهي تريد فقط «تجاوز أزمة ديون الدول الأعضاء» على أن ينكب الاتحاد الأوروبي لاحقاً على معالجة «هيكلية شاملة» للوضع المالي منطقة اليورو. ويشير مقربون من ميركل إلى أن «هذه الديون تكدست عبر سنوات خلت لا يمكن معالجتها خلال لقاء قمة واحد”.
غير أن النظر عن قرب لهذا التباين في «وجهات النظر» يبرز تناقضاً أعمق بكثير مما يريد مسؤولو الإعلام لدى زعماء أوروبا، وخصوصاً الفرنسيين والألمان البوح به: ألمانيا تريد من «القطاع الخاص أن يشارك في عملية الإنقاذ وتنقية الوضع المالي الأوروبي»، وذلك بسبب «الأرباح التي جنتها المؤسسات المالية» عبر المضاربة خلال سنوات طويلة على الديون السيادية. ولذا تقترح «إعادة هيكلة الديون اليونانية وإلغاء ٥٠ في المئة منها»، ما يجر مباشرة خسائر تقدر بـ ٢١ في المئة من قيمة السندات السيادية التي تحملها المؤسسات المالية والمصارف، وترى ألمانيا أن هذا «العقاب» هو بسبب اندفاع هذه المؤسسات مد الدول بسيولة من دون النظر إلى ملاءتها ومستوى مديونيتها وهو ما يقود إلى رفع سعر الفائدة وبالتالي زيادة أرباح هذه المؤسسات.
إلا أن فرنسا ترى في هذا التوجه خطرين، الأول يمس مصارفها الكبرى وفي مقدمتها المصرف الزراعي (Crédit agricole) وبنك باريس (BNP) إلى جانب سوسيتيه جنرال (Société générale) التي «غامرت» كثيراً في أسواق السندات السيادية وكادت تنهار لولا مسارعة باريس لدعمها بما يزيد عم ٣٢ مليار يورو. أما الخطر الثاني فيتمثل بخوف المؤسسات المالية من هذا الإعلان عن خفض الديون وأفق الخسائر ما يمكن أن يقودها إلى «الانسحاب من سوق السندات السيادية» للدول المتعثرة، ما يمكن أن ينعكس أزمة كبرى تقود إلى إفلاس إسبانيا وإيطاليا والبرتغال.
لذا تقترح باريس أن يتحول الصندوق للتوازن المالي ( Fond Européen de stabilité financière( إلى هيكلية شبيهة بمصرف مركزي ما يعني «أن تكون قدرات السحوبات مفتوحة» وهو ما يمكن أن يطمئن المؤسسات المالية من جهة ويردعها عن المضاربة من جهة أخرى. إلا أن برلين ترفض هذا «الحل البسيط» الذي لا يردع الحكومات المبذرة، ويوافقها في ذلك البنك المركزي الأوروبي الذي لا يريد أن يرى بروز منافس له يزيد من إرباك صورة الأوضاع المالية الأوروبية.