طانيوس دعيبس
ما هي أسباب الإستعصاء المطبق على الأزمة اللبنانية اليوم ؟ وكيف تتوزّع خريطة القوى السياسية في هذه المرحلة من الصراع ؟
ما هي العناصر التي يمكن ان تتوفّر لنجاح أو لفشل الحركة المتناسقة بين رئيس الجمهورية ورئيس جبهة النضال الوطني ؟
الدعوات التي تطلق من أجل تجاوز الرهانات على الصراع في سوريا والمنطقة هل هي واقعية ؟ وما هو المشروع الداخلي البديل الذي يمكن ان يشكل رافعة لمنطق الإلتفات نحو المعالجات الممكنة للخلافات اللبنانية لمنعها من الوصول إلى ما لا تحمد عقباه ؟
أسئلة عديدة يتداولها الكثيرون في بيروت، وتبقى من دون أجوبة واضحة.
في الواقع المباشر، استطاعت المعارضة حتى الآن أن تعطّل المجلس النيابي وطاولة الحوار. اي انها تمكنت من دفع القطيعة نحو مستوى عال من الفاعلية السلبية. لكنها لم تستطع أن تعطّل الحكومة، ولا أن تدفع رئيسها إلى الإستقالة، وهو الهدف الرئيسي المعلن لتحركها. بالإضافة إلى أنها تشارك في الإحتفالات الرسمية ( استقبال بعبدا في عيد الإستقلال – غداء عين التينة – تنصيب الكردينال الراعي في الفاتيكان وعشاءات روما .. ). الأمر الذي بات يطرح سؤالاً كبيراً حول جدوى المقاطعة، أو على الأقل حول الخطوة الضرورية التالية التي تبرر استمرارها.
في المقابل استطاعت الأكثرية الحكومية أن تستمر في ممارسة سلطة الحد الأدنى. وقد تعاملت معها الحركة النقابية المطلبية عبر تحرك هيئة التنسيق على أنها سلطة قائمة وقادرة ، من دون أن تأخذ بالإعتبار ان حكومة الحد الأدنى المحاصرة بضغوط العارضة وبمطلب تغييرها الذي يكاد لا يعلن رفضه أحد، هي أقدر على تجاهل مطالب هيئة التنسيق اليوم مما كانت قبل اغتيال اللواء الحسن. وقد صدق وزير العمل عندما قال إن هيئة التنسيق تحارب طواحين الهواء، التوصيف الصحيح لوضع الحكومة. لكن الصحيح أيضاً ان هذا الحد الأدنى هو حد حياة الحكومة الذي يسمح لمكوناتها باستخدامه للضغط على المعارضة، كلٌ وفق أولوياته : حزب الله لمنع تغيير قواعد الإشتباك ، والعماد عون للبقاء في موقع قوة حتى الإنتخابات، ووليد جنبلاط لكسب الوقت وهو هاجسه الكبير بفعل تسخين مراجل “الفتنة السنية – الشيعية” على ما درجت التسمية.
بين هذا وذاك استطاع رئيس الجمهورية أن يثبّت موقعه المرجعي وأن يجعل من الموقف اللبناني الرسمي المتوازن حيال الحدث السوري ركيزة لا يمكن تخطّيها. بل واستطاع في اللحظة المناسبة إنتاج “إعلان بعبدا” بآلة طاولة الحوار، وهو الصيغة المنقحة والمزيدة لموقف النأي بالنفس. كما انه إعلان يلزم الذين وافقوا عليه حتى ولو حاولوا التنصل منه فيما بعد. لكن الرئيس سليمان لا يمتلك ادوات تفعيل وتطوير هذا الموقف. وفي هذا السياق جاءت المبادرة السياسية لوليد جنبلاط.
سجلت المبادرة محاولة لإختراق حالة الإستعصاء التي تطبع الحياة السياسية في البلاد. انقطاع الحوار، التصعيد في المواقف، الشروط المتبادلة، الخطاب المتشنج..إلخ. وفوق كل ذلك الإنخراط المتزايد في الصراع السوري. وهي محاولة يمكن الإعتقاد بأن وليد جنبلاط لا يتأمل من نتائجها الكثير. فهو من أكثر العالمين بمكامن الإستعصاء وبأسبابه، ويدرك من دون شك صعوبة تجاوزه والتغلب عليه. إلا أن المبادرة بالرغم من العوائق، تمتلك عناصر قوة متعددة، أولها في ما تشكله من مساندة وتعاضد مع مواقف وحراك رئيس الجمهورية، وثانيها في ما تكرّسه من تموضع صاحبها الوسطي الرافض للإنخراط في مراهنات طرفي المواجهة الداخلية، والتي كما وصفها لا تقدم ولا تؤخر في النتائج، وثالثها في ما تشكله من استقطاب للكثير من اللبنانيين الذين يفتشون عن طريق للخروج من عنق الزجاجة، ورابعها أنها قد تحمل بعض عناصر الإجابة على أسئلة البداية، من أولوية الحفاظ على السلم الأهلي، إلى السعي لخلق المناخ الصالح لإنتاج التسويات…
29 – 11 – 2012