في مواجهة الابواق الايديولوجية والسياسية!
فايز سارة
رغم ان لي خيارات سياسية وايديولوجية، فاني لا احب، ان اصير بوقاً لاية فكرة ايديولوجية او سياسية بما فيها ما اتبناه من مواقف. فقد شبعنا دعايات وادعاءات وشعارات، اغلبها تمخض عن اكاذيب وهزائم واقلها واخفها نتجت عنه اخطاء لم تكن مقصودة، واخرى جرى ارتكابها عن حسن نوايا، ولهذه الاسباب جميعاً ولبعض منها حتى، بات على الناس في ما اعتقد، رفض فكرة التحول الى بوق ايديولوجي او سياسي اياً يكن لونه مع حق كل واحد في ان يتبنى خياراً ايديولوجياً وخطاً سياسياً نتيجة تفكير شخصي فيه.
لقد بدت سياسة الابواق الايديولوجية والسياسية، واحدة من سمات مرحلة سابقة في البلدان العربية. وبغض النظر عن مضمون ومعنى الخطوط الايديولوجية والسياسية واستجاباتها للاحتياجات العربية وقدرة المواطنين العرب على فهمها والتفاعل معها، فقد جرى تحشيد اشخاص وهيئات ومراكز اعلامية واجتماعية وسياسية للقيام بهذا الدور، بل ان امراً كهذا، جرى اسناده لاجهزة رسمية في اغلب البلدان العربية منها وزارات الاعلام ومؤسساتها، بحيث عملت باقصى طاقتها وقدرتها للسيطرة على عقل المواطن العربي عبر حملة ديماغوجية مكثفة، وجعله يتبنى خيارات ايديولوجية وسياسية معينة في مواجهة خيارات اخرى.
ان النتيجة العملية لسياسة الابواق، تبدو ماثلة في العالم العربي الذي يمكن القول، انه خرج من دائرة الفعل في مستوياتها كافة، وصار في دائرة الانفعال بما يجري في محيطه، وخاصة لجهة الاستجابة لما يفرضه الآخر من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولايخفف من تلك الاستجابات وقائع الاحتجاج او الرفض اللفظي، والكلام عن الممانعة والمقاومة الذي يظهر هنا وهناك، وغالبه واجهة لاستجابة وخضوع من نوع آخر.
واذا كانت تلك صورة مجتمعاتنا وجماعاتنا في ظل سياسة الابواق، فان صورة حكوماتنا وانظمتنا، ليست اقل بؤساً. بل هي أكثر تردياً وتدهوراً بالاستناد الى ما كشفت عنه بعض وقائع الثورات والانتفاضات العربية الراهنة، والتي أكدت دموية الحاكم العربي الذي وان عجز عن الدخول في مواجهة اعداء بلاده بانواع الاسلحة الكثيرة التي كدسها، فانه ذهب لقتال شعبه مستغلاً كل قوته ومستعملاً اشد الاسلحة فتكاً، وأكثر الاساليب وحشية، وكشفت المعطيات حرصه على البقاء في السلطة طالما بقي على قيد الحياة، كما كشفت فساده وفساد عائلته والمقربين منه الذي شكلوا نواة النخبة الحاكمة في الادارة والاقتصاد والامن، وفي مفاصل الحياة العامة كلها، وقد استطاعوا من خلال كتلتهم تلك نهب القسم الاكبر من موارد وقدرات سكان البلاد، التي اعتبروها مزرعة لهم، والناس فيها ليسوا أكثر من اقنان وعبيد في خدمتهم.
وكان الاهم في ما كشفت عنه ثورات العرب وانتفاضاتهم الدور الذي كانت تقوم به، ولا تزال الاجهزة الرسمية وشبه الرسمية التابعة في ميدان التعبئة والتضليل والتحشيد لصالح الحاكم وخياراته الايديولوجية والسياسية على امل الابقاء على الواقع كما هو في البلدان التي لم تعصف بها الثورات والانتفاضات، او ان التحرك فيها، لايزال محدوداً، في محاولة للابقاء على حضور ونفوذ الحاكم العربي في مواجهة تحركات شعبه.
واذا كانت الثورات والانتفاضات العربية، أكدت بعض ما كان معروفاً، وكشفت المستور عن بعض تفاصيله في حالة المجتمعات والحكام العرب، فان الاهم مما كشفت عنه، هو وجود حشد عربي خارج تأثيرات سياسة الابواق الشائعة والسائدة، وهو الحشد الذي خرج للتظاهر والاحتجاج مدعوماً بمحيط اجتماعي رافعاً شعارات الحرية والكرامة وحقوق الانسان وصولاً الى شعارات التغيير عبر اسقاط النظام ورحيل الحاكم، وقد خرج هذا الحشد عن تأثير سياسة الابواق السائدة نتيجة لعاملين:
العامل الاول، وهو الاهم والاوسع في نظري، ويقوم على رفض تلك السياسة باللجوء الى العقل والمنطق في محاكمة الوقائع والمعطيات، والى النظر اليها بمعزل عما تقوله ابواق الحاكم العربية وابواق مؤيديه، وبالتالي تحديد الخيارات والاحتياجات المطلوبة والممكنة، وصولاً الى الانتقال الى خيارات مناهضة لسياسة الابواق الايولوجية والسياسية للنظام الحاكم.
اما العامل الثاني، فكان التوجه الى سياسة ابواق تعارض خيارات النظام الايديولوجية والسياسية، واعتقد ان هذا العامل هو الاقل حضوراً في وسط الحشد الشعبي المشارك في الثورات والانتفاضات، بسبب الضعف الذي يحيط بالعائلات الايدولوجية والسياسية، التي تجد تعبيراتها في احزاب وجماعات المعارضة السياسية في البلدان العربية، واغلبها ضعيفة ومغلوبة، او هي حاضرة في المنافي.
ان المعطيات التي احاطت بالثورات والانتفاضات العربية في اماكن التحشدات مثل ميدان التحرير في مصر، وميدان التغيير في العاصمة اليمنية صنعاء، وفي التظاهرات واماكن الاعتصام في سوريا، أكدت الخروج على سياسة الابواق والتحشيد، وتبني خيارات اكثر عقلانية وعملية، كان الابرز فيها انه وبالرغم من الاصرار على التغيير، فقد أقترن باصرار على ان يكون التغيير سلمياً، يجنب البلاد الذهاب الى منزلقات خطرة بينها الدخول في صراعات داخلية، كما جرى التأكيد على التشاركية الوطنية في التغيير بتأكيد ضرورة الوحدة الوطنية بمكوناتها المختلفة في عملية التغيير، وهي التي جرى تحديد هدفها بانه اقامة الدولة الديمقراطية المدنية، التي توفر الحق العدل والمساواة والكرامة لكل مواطنيها.
وان كان من دلالة لهذا التطور في الواقع العربي، فان الاهم فيه قول، ان سياسة الابواق الايديولوجية والسياسية، لم يعد لها قوة التأثير المعروفة والمعهودة في خدمة الانظمة والجماعات، وان تياراً شعبياً نشطاً مقابل أخذ يتشكل في مواقفه وممارساته وخياراته بالاستناد الى المعطيات والوقائع والمحاكمة العقلية والمنطقية، وانه بالاستناد اليها يحاول المنتمون الى هذا التحشيد من التغييرين العرب عادة بناء الواقع العربي كله في الدولة والسلطة كما في المجتمع.
والخلاصة هالكلمات .. وان كان من دلالة لهذا التطور في الواقع العربي، فان الاهم فيه قول، ان سياسة الابواق الايديولوجية والسياسية، لم يعد لها قوة التأثير المعروفة والمعهودة في خدمة الانظمة والجماعات، وان تياراً شعبياً نشطاً مقابل أخذ يتشكل في مواقفه وممارساته وخياراته بالاستناد الى المعطيات والوقائع والمحاكمة العقلية والمنطقية، وانه بالاستناد اليها يحاول المنتمون الى هذا التحشيد من التغييرين العرب عادة بناء الواقع العربي كله في الدولة والسلطة كما في
تاريخ نشر التعليق: 2011/10/25المجتمع
نعم يا أستاذ فايز.. لقد أفرز الواقع العربي الراهن في زمن الفايسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي نخبة شبابية جديدة لا تنخدع يتهويمات الآيديولوجيا ولا تنطلق من منطلقات الحزب… هي مجموعة من الشباب الذين وحّدتهم الحاجة الى رغيف الخبز والكرامة والحريّة.. ولذلك لا يمكن اتهام الثورات المعاصرة بأنها مُسيّرة من عواصم الغرب واجهزة استخباراتها لان هؤلاء الفتية الذين اسقطوا حاجز الخوف لا يمثلون جهة معينة ممكن تكون على روابط مع الأجهزة بل هم مجموعات لا يمكن قولبتها في قالب واحد.. لكن ما يجري هو اختراق لبعض الشخصيات المعارضة هنا او هناك من أجل تشويه صورة الثورة ووضعها في مكان شبهة.. ولا أظن أن من ينزل الى الشارع او ساحة المعركة من اليمن الى سوريا مرورا بليبيا والبحرين وتونس ومصر سوى مناضل صادق حتى لو كان أحد من يقطف ثمار حركته هو من عملاء الاستخبارات.. الثورة عارية من الايديولوجيا وعارية من التزمت الديني والمذهبية ولا تلبس غير لبوس التغيير نحو حال أفضل بعيداً عن أي تدخل خارجي.
تاريخ نشر التعليق: 2011/10/25اُكتب تعليقك (Your comment):