الإسلاميّون قادمون
معمر عطوي
بعدما نجحت ثورة تونس في إجبار الرئيس السابق زين العابدين بن علي على الهروب خارج البلاد مطلع العام الحالي، مؤسسةً لربيع عربي بدأت تتوالى فصوله تباعاً، باشرت وسائل الإعلام بتسليط الضوء على الحركات الإسلامية في الدول التي انضمت الى هذا الربيع، مثيرة الخوف على الأقليات والتيارات غير الدينية.
ففي تونس بدا حجم حركة النهضة الإسلامية مخيفاً للعديد من المراقبين، خصوصاً لدى الاستقبال الحافل لزعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي. بيد أن الشيخ الذي عاش سنوات طويلة في المنفى عاد ليُطمئن التونسيين بأن حركته لن تستأثر بالسلطة، مبدياً إعجابه بحزب العدالة والتنمية في تركيا ونموذجه البراغماتي. لكن التحذيرات والمخاوف بدأت تطفو على السطح مع تغلغل النهضاويين في المشهد السياسي، وظهور شراذم سلفية تحاول مهاجمة دار سينما تارة، ومحطة تلفزيونية تارة أخرى، بذريعة عرض أفلام مخالفة للشرع ومسيئة الى الذات الإلهية. ما عزز من حالة الرعب من هذه الظاهرة الجديدة في البلاد.
على الضفة الأخرى من الهضبة الإفريقية، سقطت طرابلس الغرب في أيدي الثوار في 20 آب/ أغسطس الماضي، وكانت المفاجأة ظهور زعيم “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” عبد الحكيم بلحاج كمُحرّر لمنطقة باب العزيزية، حيث كان العقيد الراحل معمر القذافي يقيم مع زبانيته وأهل بيته.
هاجس آخر ظهر رغم طمأنة بلحاج الناس ووسائل الإعلام بأنه أجرى مراجعات على فكره الجهادي السلفي السابق وصار يؤمن بأسلوب الديموقراطية.
أما في مصر وبعد نجاح ثورة 25 يناير في عزل الرئيس مبارك وطاقمه الفاسد، تنفس الإخوان المسلمون الصعداء بعد عقود طويلة مارسوا خلالها السياسة في الخفاء، كحزب محظور، في حين كان يحظى بعدد كبير في انتخابات مجلس النواب رغم الملاحقات والاعتقالات في صفوف كوادره قبيل كل استحقاق انتخابي. الإخوان المسلمون لم يطرحوا الدولة الاسلامية بعد بشكل مباشر وان كان شعارهم الدائم “الاسلام هو الحل”، والشريعة الإسلامية مصدر الحكم. بل ذهبوا أبعد من ذلك بتحالفهم مع المجلس العسكري الحاكم وجعلوا مسألة العلاقات مع العدو الإسرائيلي في آخر الأولويات كعامل طمأنة إلى تغيّر في نهجهم وإن لم يصل الى حد هضم العلمانية، وفق ما أكده الامتعاض من خطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في القاهرة حول أهمية العلمانية في النظام السياسي.
في سوريا أيضاً يبدو الإخوان المسلمون الذين عانوا الأمرّين من حكم البعث، وكأنهم “أم الصبي” في الثورة الحالية، وهم بما يقومون به في الخارج من اتصالات مع دوائر القرار في العالم بدءاً من أنقرة وصولاً الى واشنطن مروراً بباريس، لا يُمانعون التدخل الخارجي للقضاء على حكم بشار الأسد ووقف آلة القتل الدائرة بحق الشعب السوري. أما في الداخل فلديهم مجموعات مسلّحة تساهم في تشويه الثورة والإساءة الى سلميتها، مع العلم أن هذه الجماعات وحجمها مُبالغ فيه كثيراً في وسائل إعلام السلطة.
ظاهرة تكبر في العالم العربي يوماً بعد يوم وتظهر الى العديد من الناس وكأنها هي التي تدير الثورات وهي التي تتحمل الوزر الأكبر من التحرير وصنع الاستقلال في الدول الواعدة. غير أن المفارقة أن هذه الحركات باتت تحظى بمباركة أميركية للدخول في السلطة من منطلق محاولات تدجينها وفي الوقت نفسه إرضاءً لشريحة واسعة من الجمهور الذي يتفاعل عاطفياً مع شعارات الإسلام السياسي.
لكن محاولات التخويف من أن: “الإسلاميون قادمون”، والتحذير من تحديات المرحلة المقبلة، وخصوصاً ظهور المجموعات السلفية التي تتعاطى بشكل أكثر حدّة وتطرفاُ مع الواقع، تشي بحدوث اصطدام قريب بين هذه الحالة المُتديّنة وبين تيارات أخرى علمانيّة وليبراليّة وقوميّة ويساريّة لها وزنها أيضاً في المشهد السياسي العربي.
قد يكون من المُبكر الحكم على فشل التجربة الإسلامية، وقد يكون من الظلم التوقع أن هذه الحركات ستلجأ الى تنفيذ فكرة الحاكمية والشريعة الإسلامية، وأنها ستقوم بإقصاء الآخرين في حال وصلت الى السلطة كأكثرية عددية في الانتخابات. لكن قبول هذه الحالة واعطائها الفرصة وفق العملية الديموقراطية التي تضمن حق كل فريق، أفضل من تكرار نموذج الجزائر في التسعينات. ففي الجزائر، ربح الإسلاميون في الانتخابات التشريعية، فانقلب عليهم النظام وعلى الديموقراطية، ما أدى الى فلتان الأمور وتنامي العنف بشكل مخيف.
وبعيداً عن التصنيفات الأيديولوجية والتوقعات التي تثير الهلع في النفوس، وحتى لا تتكرر تجربة الجزائر، ينبغي احترام رأي الناس وقبول خيارهم في صناديق الاقتراع حتى لو اختاروا الإسلاميين.
لقد تحولت ظاهر الاسلاموية السياسية إلى شماعة تعلق عليها كل مخاوفنا وهواجسنا المستقبلية بناءً على ممارسات بعض التيارات المتشددة. فالقذافي، استخدم خلال ثورة 17 فبراير في ليبيا، هذه الورقة لتخويف الغرب، والرئيس السوري يقوم الآن بتخويف الناس، لا سيما الأقليات، من مستقبل قاتم إذا انتصر الاخوان المسلمون على نظامه. ويبدو أن الأنظمة العربيّة التي نالت شهادات عليا في الغباء السياسي لا تزال تمارس السياسة الأمنية نفسها وفق ذهنية الثمانينات والتسعينات، ولم يعتبروا أن القمع لا يجلب سوى القمع وأن الديموقراطية الحقيقية تضمن عدم استئثار أي فئة لوحدها بالسلطة.