الإعلام والحدث السوري
جاد عويدات*
لعل النظام السوري دفع الثورة والحراك الشعبي إلى العسكرة في بداية الأزمة عبر البطش والحل الأمني. الأرجح أنه لم يتوقع هذه الحرب الصعبة، الشاقة والمكلفة. حرب شوارع وتكتيك من قبل الخصم أنهكا الجيش السوري وشتتا إمكاناته عبر نقل المعارك من منطقة الى أخرى لاشغاله وتخفيف الحصار عن المجموعات المقاتلة في مناطق أخرى. من المرجح، أن النظام السوري لم يتوقع مواجهة هذا الكم الهائل من الفسيفساء المسلح جغرافياً وبشرياً. وحتى مهلة الثلاثة أسابيع التي حددها الجيش السوري لاستعادة كامل أحياء مدينة حلب سقطت في المعطيات الميدانية للمعركة القائمة. لم يتوقع أحدٌ من أركان النظام الوصول إلى هذه المرحلة من المواجهة مع هذه المنظومة من المعارضة المسلحة المتشعبة والمتواجدة في معظم الأرياف والمدن السورية، بغض النظر عن قبولها أو رفضها من قبل المدنيين.
إن تدويل الأزمة واستغلال الصراع من قبل القوى الدولية بين مؤيد وداعم للنظام السوري وبين مساند لقوى المعارضة ومساهم في تسليحها يعمّق الانقسام السوري ويؤمن ديمومة الحرب اليومية. النظام عاجز عن صد هجمات المسلحين وغير قادر على القضاء عليهم ولا حتى إخضاع بعض المناطق التي يحظون فيها باحتضان الناس لهم. وفي المشهد المقابل ومهما علت النبرة الاعلامية لأركان المعارضة السياسية والمسلحة حول قرب سقوط النظام، فالمعارضة غير قادرة على السيطرة على الحكم إلا في حالة سيناريو تدخل أجنبي على الطريقة الليبية وهو أمر مستبعد بحسب التصريحات الدولية والموقف الروسي. من هنا تطرح مسألة الحرب الاعلامية وما الغاية منها؟
هذه الحرب أخذت منحى مؤازرا لمقاتلي المعارضة، خصوصاً وأن قيادة الجيش السوري قليلة الكلام. وهذه الحرب الاعلامية التي تصاحب العمليات العسكرية تساهم دونما شك في إذكاء الحرب والتسبب بالمزيد من العنف والضحايا. “نظام الأسد يُمهِّد لاستخدام الأسلحة الكيميائية وقصف المقاتلين المناوئين له بصواريخ سكود. أيام الأسد باتت معدودة ونظام الأسد قد ينهار في أية لحظة”. تصريحات منقولة وغير مؤكدة أو مُناِورَة كتصريح نائب وزير خارجية روسيا بوغدانوف القائل بأن الأسد خسر الكثير من سيطرته على الأراضي” ليتم تكذيب التصريح في اليوم التالي. مثل هذه التصريحات يأتي في سياق التجاذب الدولي حول سوريا.
هناك جانبان لقراءة هذه الحرب الاعلامية. الشق الأول ميداني أما الشق الثاني فسياسي ووسائل الإعلام غير مسؤولة عنه كما في الحالة الأولى؛ ذلك أن التصريحات السياسية المُمِلة والمتكررة لوزراء خارجية الدول الأجنبية والمسؤولين في المنظمات الدولية كتصريحات بان كي مون وراسموسن وكلينتون وجوبيه وفابيوس وصولا الى أوباما وغيره من الرؤساء وكذا التسريبات الصحفية الروسية، تأتي كلها في سياق الحرب الديبلوماسية والمناورة الساعية الى الضغط على أحد أطراف النزاع.
أما فيما يتعلق بالجانب الميداني، فالمشكلة هنا إعلامية وتتحمل مسؤوليتها وسائل الاعلام التي تنقل كل ما يأتيها من الناشطين والمقاتلين من أخبار مروجة لها وعارضة لها دون تحقق أو تمحيص وهي بذلك تهدف إلى خدمة الدعاية الاعلامية والحرب النفسية ليس إلا. فعلى سبيل المثال لا الحصر: أين أصبحت عملية السيطرة على أدلب ومعرة النعمان ووادي الضيف؟ ما مصير المهل المعطاة للبعثات الديبلوماسية لمغادرة دمشق؟ حتى قلعة حارم في ريف ادلب لم تسقط حتى هذه اللحظة علما بأن مناطق ريف ادلب يشار إليها على أنها من المناطق المحررة والتي ستتشكل داخلها نواة الحكومة الانتقالية التي هي قيد المشاورات بين أقطاب الائتلاف السوري المعارض. الأمر ذاته ينطبق على مدينة حلب وريفها أو الحسكة ودير الزور حيث يسيطر الجيش الحر على مناطق حدودية فيما الجيش النظامي ما زال يمسك بالمدن دون أن نغفل خصوصية العامل الكردي الذي يلقي بثقله في مناطق شرق البلاد.
يمكن الاستنتاج بأن الواقع الميداني يظل أكثر تعقيدا مما تحاول الفضائيات الإخبارية تقديمه وربما الدعاية له من خلال الحديث عن انتصارات يومية وإشاعة أجواء معينة لدى المشاهد. فوضى الأخبار والأنباء عن سيطرة هنا وهناك هو نتيجة إهمال التوصيف الحقيقي للأحداث أي مفهوم حرب الشوارع والأزقة بين كر وفر أقطابه الجيش النظامي ومقاتلو المعارضة. والإكتفاء باستعمال ما يبرز ويخدم الأخبار عن الانتصارات والتقدم الميداني، يثير الريبة لأنه يؤكد نظرية الحسم العسكري للأزمة لكلا الطرفين، كما يُطلِع المشاهد على جزء يسير من الحقيقة. هذا الأسلوب في التعاطي مع الأخبار يعد استخفافا بعقل المشاهد. وهذا الكم الهائل من الأخبار يعطي انطباعا بان النظام سيسقط خلال ساعات. إن الحرب الاعلامية التي تتبناها جل المؤسسات الاعلامية تمثل بكل المقاييس استخفافا بعقل المشاهد وتدميرا ممنهجا لقواعد العمل الصحفي.
الحرب الاعلامية خسرها النظام منذ بداية الأحداث. أولاً لأنه كجاره التركي، يصنف ضمن البلدان الأكثر تضييقاً على حرية الإعلام. وثانيا لأن معظم مصادر المعلومات والأخبار تصل الى وسائل الاعلام عبر الناشطين.إذا فالحرب الاعلامية تتزامن مع وضوح الرؤية والنوايا الدولية. إن آلاف المسلحين المتواجدين في مواجهة الجيش النظامي السوري هم تركيبة لصراع دولي استغل أطرافه العامل المحلي الساعي للحرية والديموقراطية بهدف تدمير سوريا وإضعافها وجاء استغلال الظرفية في سياق الربيع العربي العَفْوي قبل التحّول، مناسبا.
لقد انكشفت اللعبة الدولية الممزوجة بالحرب الاعلامية والسياسية، لأن الهدف من ديمومة الصراع هو إيجاد مبررات لزرع المزيد من القواعد العسكرية في المنطقة. وبالتالي فإن حماية الشعب السوري لا تشكل أولوية بنظر المجتمع الدولي؛ بالمقابل فإن رحيل الأسد أو بقاءه لم ولن يحول دون حل الأزمة. كلا العاملين، المعارضة أو النظام، لن يحُدّا من هدف استغلال الصراع وتسخيره بشتى السبل. أما استمرار وجود الأسد في السلطة فبات أمرا مرفوضا قطعا لفئة من الشعب السوري وهذه الفئة اختارت السلاح أداة للتخلص منه. بالمقابل، رحيل الأسد قد يضع سوريا في المجهول لأن البديل ربما يكون غير قادر على توحيد الصف الوطني وإيجاد الضمانات المطمئنة لجميع الأطياف وهذه المعضلة، هي وقود لحرب أهلية طويلة.
ذكتوراه في علم الإعلام
جميل جداً يا جاد إنما الآتي أعظم… و ها هي آخر بلاد التعايش تُنسف عن بكرة أبيها بسبب جُهل و غباء الحكام و فقدان البصيرة لدى شعوب منحورة نحر النعاج…
تاريخ نشر التعليق: 2012/12/18اُكتب تعليقك (Your comment):