مصر: استقالة النائب العام يستفز الإخوان
مثلت استقالة النائب العام المصري المستشار طلعت عبد الله إبراهيم تحت ضغط أكثر من ألف من مرؤوسيه ضربة للرئيس محمد مرسي وأثارت رد فعل غاضبا يوم الثلاثاء من جانب جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المصري والتي وصفت ما حدث بأنه “جريمة”.
وفي مسعى لممارسة المزيد من الضغوط على مرسي نظمت المعارضة اليوم احتجاجات على مشروع الدستور الذي يدعمه الإسلاميون والذي أثار انقساما في البلاد لكن يبدو أن نتيجة الاستفتاء عليه في المرحلة الثانية والأخيرة الأسبوع المقبل ستكون الموافقة.
ويقول معارضون وحقوقيون إن مخالفات شابت المرحلة الأولى التي أجريت في عشر محافظات كفيلة بابطال النتيجة. وقال متحدث باسم وزارة العدل اليوم إن وزير العدل المستشار أحمد مكي قرر ندب قضاة للتحقيق في المزاعم.
وقالت وسائل اعلام حكومية ان نتيجة المرحلة الأولى من الاستفتاء التي أجريت يوم السبت كانت موافقة 57 في المئة ممن أدلوا بأصواتهم وهي نسبة أقل مما كان يأمله الرئيس محمد مرسي.
ومن المرجح أن تزيد نتيجة المرحلة الأولى وقرار وزير العدل التحقيق في ادعاءات المخالفات من جرأة المعارضة التي تقول إن الدستور له طابع إسلامي بشكل زائد.
وقابل المحتجون بترحيب كبير يوم الاثنين إعلان المستشار طلعت عبد الله إبراهيم النائب العام الذي عينه مرسي الشهر الماضي أنه قدم استقالته. وقالت المعارضة إن قراره انتصار لاستقلال القضاء.
وتجمع مساء يوم الاثنين أكثر من 1300 عضو في النيابة العامة أمام مكتب النائب العام وطالبوه بالاستقالة. وقال شهود إن إبراهيم أعلن استقالته بعد ساعات وكبر المحتشدون وهتفوا “يحيا العدل”.
وقالت جماعة الإخوان التي دفعت مرسي للرئاسة في بيان نشرته صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك “جريمة إكراه النائب العام الجديد التي وقعت بالأمس من مجموعة نشر أنها تحمل أسلحة مرخصة هى عملية منكرة وسابقة خطيرة.”
وأضافت أن الواقعة “تستوجب من القضاة جميعا أن يتصدوا لها ومن المجلس الأعلى للقضاء (أعلى سلطة قضائية في البلاد) أن يصدر بيانا يستنكرها ويرفض قبول الاستقالة المقدمة تحت التهديد.”
وطالبت بأن ينتدب “من القضاة الشرفاء من يحقق في هذه الواقعة وينزل العقاب بمن قاموا بها.”
وفي علامة إضافية على تزايد قوة المعارضة قرر نادي قضاة مجلس الدولة الذي يضم محاكم القضاء الإداري الامتناع عن الإشراف على المرحلة الثانية من الاستفتاء لكن توصيات النادي لأعضائه غير ملزمة.
وفي حالة تمرير الدستور يمكن أن تجرى الانتخابات العامة في وقت مبكر العام القادم وهي مسألة يأمل كثيرون أن تؤدي إلى استقرار يتطلعون إليه في مصر.
وقالت جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة إن المرحلة الأولى من الاستفتاء شابتها مخالفات واسعة النطاق وحثت على ضمان وجود ما يكفي من الإشراف في المرحلة الثانية.
ودعت الجبهة إلى احتجاجات في أنحاء مصر يوم الثلاثاء لمنع التزوير وإسقاط الدستور الذي تصفه بأنه “باطل” وتطلب من اللجتة العليا للانتخابات التي تشرف على الاستفتاء إعادة المرحلة الأولى.
وقال المستشار أحمد سلام المتحدث باسم وزارة العدل في مؤتمر صحفي بمقر الوزارة “بعد أن تردد في وسائل الإعلام ما زعمه البعض من وقوع جرائم جنائية فإن وزير العدل وجد أن من واجبه أن يستعمل سلطته المقررة في قانون الإجراءات الجنائية… ويبادر إلى الطلب من محاكم الاستئناف السبع التي جرى فيها (في نطاق سلطتها القضائية) الاستفتاء في المرحلة الأولى ندب قضاة لتحقيق هذه البلاغات.”
وأضاف أن وزير العدل نفسه “أبدى استعداده الكامل للمثول أمام قاضي التحقيق سواء لسماع أقواله أو حتى لاستجوابه.”
وتطلب وزارة العدل من مجلس القضاء الأعلى تكليف قضاة بالإشراف على الاستفتاء وتوفر لهم النقل والإعاشة وتسلمهم بطاقات الاقتراع قبل فتح أبواب لجان الانتخاب.
وكانت منظمات تراقب حقوق الإنسان وسياسيون قالوا إن أشخاصا من غير القضاة تولوا الإشراف في بعض اللجان بما يخالف الدستور.
وقالوا أيضا إن المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تموله الحكومة أصدر ألوف التصاريح لأعضاء في حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- بدخول لجان الانتخاب وحضور عمليات الفرز كما لو كانوا مندوبي منظمات حقوقية.
وزعم حقوقيون وسياسيون أن أعضاء حزب الحرية والعدالة وجهوا ناخبين خلال الاقتراع.
وفي القاهرة دعت الجبهة الى مظاهرات في ميدان التحرير مهد الانتفاضة التي أطاحت بمبارك وأمام قصر الاتحادية الرئاسي الذي ما زالت تحيط به الدبابات بعد احتجاجات سابقة سقط فيها قتلى.
وقالت الجبهة في بيان “يسقط دستور الإخوان.” وقالت أيضا “يسقط دستور الطغيان.”
وفي مسيرة بدأت من حي شبرا في شمال القاهرة الذي توجد به كثافة سكانية مسيحية هتف مشاركون ضد مرسي “بكرا عليك بالجزمة ندوس” و”يسقط يسقط حكم المرشد” في إشارة إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع.
وشارك المئات في مسيرة من ميدان العباسية الى القصر الرئاسي ورددوا هتافات بسقوط النظام.
وقال محمد عادل (30 عاما) الذي يحتج أمام قصر الرئاسة “أنا معتصم هنا منذ أسابيع وسأستمر لحين إسقاط الدستور الذي قسم الشعب والذي مات ناس من أجل إلغائه.”
وتجمع المئات بحلول الغروب في ميدان التحرير.
وشهدت الفترة التي سبقت الاستفتاء اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين لمرسي أسفرت عن مقتل ثمانية على الأقل.
واشتبك الفصيلان المتناحران يوم الجمعة في الإسكندرية حول مسجد القائد إبراهيم وحوصر إمام المسجد الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ومعه أنصار له في الداخل أكثر من 12 ساعة لانتقاد الشيخ أحمد المحلاوي معارضي مشروع الدستور.
ولا تمثل الموافقة على مشروع الدستور بفارق ضئيل وضعف الإقبال على الاستفتاء مدعاة لشعور مرسي بالرضا بينما يسعى لكسب التأييد لإصلاحات اقتصادية صعبة تهدف إلى الحد من عجز الميزانية.
ويعتقد محللون سياسيون أن عدم وضوح نتيجة الاستفتاء حتى الآن زاد من تعقد الأمور أمام مرسي وعزز وضع المعارضة المتفتتة وألقى بظلال من الشك على مصداقية مشروع الدستور.
وقال مصطفى كمال السيد وهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة القاهرة “هذه النسبة ستقوي من موقف جبهة الإنقاذ الوطني وأعلن زعماء هذه الجبهة إنهم سيواصلون هذه المعركة لنزع المصداقية من الدستور.”
وأضاف لرويترز أن من المرجح أن تزيد معارضة مرسي مع إدخال إجراءات تقشف مزمعة مما يزيد من حالة الاستقطاب.
ويتعين على الحكومة زيادة الضرائب وخفض الدعم الحكومي للوقود لمواجهة عجز الميزانية. وأدت حالة عدم اليقين المحيطة بخطط الإصلاح الاقتصادي بالفعل إلى تأجيل قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 4.8 مليار دولار. وتراجعت قيمة الجنيه المصري لأدنى مستوى منذ ثماني سنوات.
ويقول مرسي ومؤيدوه إن الدستور حيوي للمضي قدما في عملية التحول الديمقراطي في البلاد. في حين يقول المعارضون إن الدستور ذو طابع إسلامي بشكل زائد ويتجاهل حقوق المرأة والأقليات ومنها المسيحيون الذين يمثلون عشرة في المئة من السكان.
واندلعت الاحتجاجات عندما أصدر مرسي إعلانا دستوريا يوسع من سلطاته يوم 22 نوفمبر تشرين الثاني ثم عجل بتمرير الدستور عبر الجمعية التأسيسية التي يمثل الإسلاميون أغلب أعضائها والتي قاطعها الكثير من الليبراليين وكذلك ممثلو الكنائس الرئيسية الثلاث.
ويجرى الاستفتاء على مرحلتين لأن الكثيرين من القضاة قاطعوا الإشراف عليه احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي. ولتمرير الدستور يتعين موافقة أكثر من 50 في المئة ممن أدلوا بأصوات صحيحة