لبنان: أزمة الزعامة السنيّة
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
يعيش لبنان منذ ٢٠٠٥ وسط حزمة أزمات تنغص حياة مواطنيه وتجعل أفق مستقبلهم أسود لا أمل فيه. فبعدما كان هنيئاً لم له مرقد عنزة في لبنان، هربت العنزات، وبات القول هنيئاً لمن يستطيع اللحاق بالعنزات، فالشباب صفوف طويلة أمام السفارات طلباً لسمات سفر وهجرة. ما هو السبب؟
هذا البلد مبني على توازنات طائفية دقيقة تحفظ لكل طائفة ما تظنه حقوقها. نريد التخلص من هذه الطائفية التي تتجاوز المواطنة التي تجعل المواطنين رهينة «تذكرة هويتهم»، وانطلاقاً من هذا الارتباط تكون كافة مصالح المواطنين (ومستقبلهم) ملتصقة بطائفتهم. وبالطبع يخلق هذا الوضع «زبائنية» توثق أفراد الطائفة بزعيم الطائفة ليكون الناطق والحامي لحقوقهم. من نافل القول إن التوازن غائب اليوم في نادي زعماء طوائف لبنان.
منذ ٢٠٠٥ ومع غياب الرئيس رفيق الحريري انكسر هذا التوازن. من دون انتقاص من قدر أي ممن خلف الحريري الأب في السراي، نقول إن من أسباب الأزمة الحالية هو غياب «وجه سني» قادر على إعادة التوازن بين الطوائف. ليس هذا التأكيد بسبب «تعلق بالطائفية وتمجيد لنظامها»، ولكن فقط لأن قانون التوازن المنطقي يطلب ذلك.
الطائفة الشيعية لها زعامة، وإن هي برزت عبر رأسين. الطائفة المارونية لها زعامة، وإن هي أطلت عبر عدد من الرؤوس. الطائفة الدرزية أيضاً لها زعامة تسير تاريخياً على خطين ولا تزال. وهكذا الأمر لبقية الطوائف… ما عدا الطائفة السنية. من هنا يأتي الخلل طالما نحن في نظام طائفي مبني على توازن بين الطوائف.
المسألة ليست مسألة شخصيات وعلم ومقدره أو ثروة. لننظر إلى المسرح السياسي اللبناني: من يمثل السنة اليوم في لبنان؟ رئيس الوزراء؟ يعلم الجميع أن نجيب ميقاتي في موقعه نتيجة توافق قوى وليس بسبب قوته في الوسط السني. من يمثل السنة في المعارضة؟ سعد الحريري؟ إنه غائب عن لبنان. من يمكن أن يمثل السنة في صف الدخول إلى نادي رؤساء وزارة لبنان؟ تمام سلام، عمر كرامي أم عدنان القصار أم محمد الصفدي؟ أم ننظر إلى الصف الثاني حيث يقف نهاد المشنوق وفيصل كرامي وابن عمه أحمد كرامي أم وليد الداعوق؟ أم ننظر أبعد من ذلك إلى من يقف في صف النيابة مثل فؤاد المخزومي أم العميد مصطفى حمدان؟
في الواقع يدرك المواطنون اللبنانيون، وفي مقدمتهم «سنة لبنان»، أن أصحاب الثروات، بعد أن تستتب الثروة في حساباتهم، يسعون لتلميع صورتهم إعلامياً واجتماعياً عبر «بناء تيار زبائني» بواسطة مؤسسات خدماتية وبعض التبرعات المدروسة والطنانة إعلامياً. فيدخلون في «وعاء رجالات السنة». إن هذه الشخصيات لا يمكن أن يكون لها دور تاريخي، يمكنها أن تلعب أدوار «وظيفية» بمعنى أن الدستور والميثاق ينص على ضرورة أن يكون رئيس الوزراء من تلك الطائفة، فيتم البحث عن رئيس للوزراء في هذا الوعاء الظاهر إعلامياً. فيتم اختيار هذا أو ذاك حسب ضوابط تنبع من مصالح الطوائف الأخرى فتدعم المرشح العتيد وتنصبه «زعيماً سنياً»، بينما لا توجد شخصية أو شخصيتين من الطائفة السنية التي يمكنها أن تفرض نفسها واحدة للمعارضة وواحدة للأكثرية.
من يذكر المنافسة بين رياض الصلح وعبد الحميد كرامي؟ أو المبارزات بين عبد الله اليافي وصائب سلام. أو تنافس صائب سلام ورشيد كرامي؟ حين يكون واحد منهما في السراي يكون الثاني في المعارضة. ولكن في سياق التنافس فإن كل من هما كان لا «يمون» فقط على طائفته، بل كان يجلب مؤيدين من كل طوائف لبنان. كان الذي يصل إلى السراي «يمون» على أكثرية من اللبنانيين وليس بالضرورة على أكثرية سنية.
في تلك الحقبة حاول زعماء الطوائف الأخرى «تنبيت» زعماء منافسين لتوسيع نادي رؤساء الوزراء، فكان حسين العويني (١٨ شهراً) وأمين الحافظ (ثلاثة أشهر) أو نور الدين الرفاعي (شهر وبعض الأيام)، وفي الحرب جاء من حل محل من يرفض وضع اسمه في أسفل اتفاقية فرضها المحتل (شفيق الوزان). سليم الحص، مع كل ما يكنه اللبنانيون له من احترام لشخصيته ولعصاميته وأخلاقه، لم يكن يستطيع أن يحرك عشرة أشخاص في شوارع بيروت. ولكن مجيئه في ظروف الحرب من خارج الوسط السياسي كانت أساساً بسبب غياب كبير السنة آنذاك رشيد كرامي. إن اغتيال رشيد كرامي كان ضربة قاضية لرجالات السنة في لبنان ولعل هذا يفسر أهداف الاغتيال. فابن طرابلس كان «يمون» أبعد كثيراً من طرابلس. كان لا يصل إلى السراي على أكتاف أهل طائفته فقط. كان يعتمد على «كتلة برلمانية» (٦٤ من ٩٩ نائباً) واسعة تضم نواب من كل طوائف لبنان.
استعرت حرب لبنان بعد اغتيال كرامي وفي غمارها تم اغتيال مفتي السنة حسن خالد (هل هي صدفة؟). لم يوقف سعير الحرب إلا وصول «شخصية سنية» استطاعت أن تملأ الفراغ الذي تركه غياب كبار السنة. بمجرد أن برزت شخصية سنية «تمون على نطاق أوسع من طائفتها» توقفت الحرب. بغض النظر عن سياسات الحريري الأب فإن وصوله إلى الحكم أدى إلى وقف النار في هشيم المجتمع اللبناني. توقفت الحرب لأن التوازن الطائفي من حيث «المونة» على قسم كبير من اللبنانيين عاد إلى البلد. الحريري كان له مؤيدون بين كل الطوائف في الجنوب كما في الشمال وكان له كتلة برلمانية كبيرة.
كم نائب يؤيد نيجب ميقاتي والمنافسة على زعامته هي في عقر داره في طرابلس؟ كما نائب ينتمي لتيار سعد الحريري إذا استثنينا التحالفات الظرفية؟ على كم نائب «يمون» محمد الصفدي غير شخصه، علماً أنه أعلن قرب انسحابه من العمل السياسي. كم نائب مستعد للاعتصام مع تمام سلام في المصيطبة في حال أراد تقليد والده المرحوم صائب؟ ومن يعود يلتفت إلى الطامحين في حال أقفلوا مؤسساتهم الخيرية أو توقفت زوجاتهم عن فتح صالوناتها؟ لا مقارنة بين هؤلاء وبين رشيد كرامي أو رفيق الحريري.
اغتيال رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ أعاد البلد إلى أتون حرب (هل هي صدفة؟). حرب لا تقول اسمها. حرب غير معلنة ولكنها في رؤوس الجميع. إن غياب زعيم سني حقيقي يؤثر ليس فقط على الطائفة السنية، بل أيضاً على الطوائف الأخرى التي لا تجد محاوراً ليشكل معها قاعدة بناء الوطن. وإضافة إلى ذلك إن «تيتم» الطائفة السنية يفتح الأبواب واسعة للتطرف السلفي الذي يتربص ليس فقط بالسُنة، ولكن أيضاً بكل الطوائف، وليس فقط في لبنان ولكن أيضاً في كل الدول العربية والإسلامية.
كبار السنة تعني سنة الكبار فوا اسفاه لا ارى سوى اقزام
تاريخ نشر التعليق: 2012/12/23اُكتب تعليقك (Your comment):