فلسطين 2012: تمدد الاستيطان وانتصار معنوي في الامم المتحدة
رغم الانتصارات المعنوية الهامة التي شهدتها فلسطين في عام 2012، بدءاً من معركة الأمعاء الخاوية، إلى انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة، وصولاً للأمم المتحدة بحصول فلسطين على دولة “غير عضو”، رغم كل ذلك لم يتغير شيء على الأرض، فأخطبوط الاستيطان يفتك بالأخضر واليابس ويوصف بالأكثر كثافة تاريخياً، بينما السلطة الفلسطينية على شفير الإفلاس، بعد معاقبة إسرائيل لها بحجز عائدات الضرائب، وعدم ايفاء العرب بشبكة الأمان التي وعدوا بها، فيما مصالحة “الأخوة الأعداء” تراوح مكانها.
ففي السابع عشر من نيسان/ ابريل الماضي، وبعد نجاح الأسير خضر عدنان في معركة الأمعاء الخاوية التي خاصها لـ77 يوماً، انطلق إضراب كبير في السجون الإسرائيلية لنيل الأسرى حقوقهم كأسرى حرب، وكبشر كذلك، وبعد 27 يوما من بدء الإضراب عن الطعام، انتزع الأسرى الفلسطينيون انتصاراً مهماً من إسرائيل في معركة الأمعاء الخاوية، بعد أن توصل قادة الأسرى الفلسطينيين وقادة أمنيون إسرائيليون إلى اتفاق برعاية مصرية على تنفيذ مطالبهم وإنهاء الإضراب.
وعلى الجانب السياسي، وتحديداً في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حصلت فلسطين على صفة مراقب “دولة غير عضو في الامم المتحدة” بعد تصويت 138 دولة مع دولة فلسطين وامتناع 41 دولة و9 دول ضد القرار، لتكون الدولة رقم 194 في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أن فلسطين باتت عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، حيث ارتفع العلم الفلسطيني مباشرة بعد إعلان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فوز فلسطين، في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني 29 تشرين الثاني 2012. وهي خطوة من شأنها أن تقود الفلسطينيين إلى منظمات أممية اخرى، قد تكون أهمها محكمة الجنايات الدولية، لمحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
لكن إسرائيل ورغم هذه الانكسارات التي تعرضت لها، وأمام هذه الانتصارات الفلسطينية، لم تكن لترضى بمجريات الأمور، فقد كثفت الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بطريقة لم تشهدها الأرض الفلسطينية من قبل، وأخذت قراراً خطيراً بالبناء في منطقةE1 الاستراتيجية والتي تشكل عمق الأراضي الفلسطينية، غير آبهة بكل الرفض الدولي لهذه الخطوات.
ويعيش نحو نصف مليون إسرائيلي في مستوطنات في الأراضي المحتلة، في الضفة الغربية، 190.000 منهم يعيشون في القدس المحتلة، منذ السبعينيات، فيما يربط المستوطنات نظام من الطرق السريعة التي يسيطر عليها الإسرائيليون فقط، ويوجد حالياً في الأراضي المحتلة حوالي 170 مستوطنة و61 قاعدة عسكرية، ويعيش أكثر من 75% من المستوطنين في 19 مستوطنة.
وسيؤدّي البناء في منطقة E1 بحسب منظمة بيتسيلم، إلى زيادة الفصل القسريّ المفروض بين الضفة الغربية وبين القدس الشرقية، فهو سيحيط المدينة الشرقية من جهة الشرق وسيرتبط بالأحياء الإسرائيلية التي أقيمت شماليّ البلدة القديمة، وبالتالي فإنها ستخلق حاجزًا ملموسًا وماديًا بين القدس الشرقية وبين السّكان الفلسطينيين في سائر بلدات الضفة الغربية، الذين تشكل المدينة بالنسبة لهم مركزًا متروبولينيًا ودينيًا مركزيًا.
ويشكل تطبيق هذا المخطط مساً بالتجمّعات البدوية التي تسكن في المنطقة، ففي نهاية عام 2011 أعلنت الإدارة المدنية عن نيّتها طرد التجمّعات البدوية التي تسكن مناطق C في أرجاء الضفة الغربية، والتي يصل تعدادها قرابة 27,000 شخص، ومن المفترض تطبيق المرحلة الأولى من هذا المخطط في كانون الثاني 2012، حيث خططت الإدارة في إطاره نقل قرابة 20 تجمعًا بدويًا بشكل قسريّ، يبلغ تعدادها قرابة 2,300 شخص، من منطقة مستوطنة معاليه أدوميم والمستوطنات المحيطة بها، حيث يعيش قرابة نصف هذه التجمعات في منطقة E1.
كما قررت إسرائيل وعقب توجه فلسطين إلى الأمم المتحدة ونيل الاعتراف الدولي كـ”دولة غير عضو” في المنظومة الدولية، احتجاز الأموال الفلسطينية من عائدات الضرائب، وتحويلها لشركات إسرائيلية كشركة الكهرباء، والمياه وغيرها ممن لها ديون على السلطة الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية حاولت استباق هذه الخطوة الإسرائيلية، طالبت العرب بتوفير “شبكة أمان” لها بتحويل مبلغ شهري للسلطة الفلسطينية لمواصلة عملها ومنع انهيارها، وهو ما أقره وزراء الخارجية العرب فعلاً، بتوفير شبكة أمان مالية بقيمة 100 مليون دولار في حال فرضت عقوبات على الشعب الفلسطيني، لكن ذلك لم ينفذ حتى الآن.
وتعاني السلطة الفلسطينية عجزًا ماليًا مقداره 30 مليون دولار شهريًا، يضاف إليه تجميد حكومة الاحتلال العائدات الضريبية الفلسطينية والتي تقدر بنحو 500 مليون شيقل شهريًا، وما يزيد صعوبة وتعقيد الأمر بعد كل ذلك، تأخر وصول المساعدات العربية المقررة لدعم الفلسطينيين.
وفي حين وصلت نسبة العجز في الموازنة العامة للسلطة حوالي ثلث الموازنة، وصلت ديون السلطة لحوالي 3 مليار دولار، كما يشكل الدين العام حوالي 35% من الناتج القومي ويكاد يلامس الحد الأعلى الذي سمح به المجلس التشريعي 40%.
أما في الشأن الداخلي الفلسطيني، وتحديداً فيما يتعلق بالمصالحة، وبعد انتصار المقاومة في غزة، كانت أقرب ما تكون إلى تحقيقها، لكن ذلك سرعان ما تبدد كالمعتاد، لأن أهم النقاط الخلافية بين حركتي فتح وحماس تتعلق بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، حيث يوجد خلاف في تفسير ما تضمنه إعلان الدوحة بهذا الخصوص، ففي حين يؤكد الرئيس عباس أن الأولوية يجب أن تمنح لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، فإن حركة حماس تؤكد أن إعلان الدوحة ينص بشكل واضح على أن تشكيل حكومة الوفاق الوطني يجب أن يسبق إجراء الانتخابات، على اعتبار أنها الجهة التي يفترض أن تشرف على تنظيم الانتخابات.
كما تصر حماس على إجراء انتخابات لاختيار مجلس وطني جديد يشرف على إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، في حين ترى حركة فتح، أن الظروف السائدة في الإقليم لا تسمح بإجراء هذه الانتخابات.
المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، شهدت تصاعداً بشكل ملحوظ، خاصة فيما يتعلق بالأفكار التي كانت تحملها وتنفذها المجموعات الناشطة في هذه المقاومة، حيث شهد العام 2012، إغلاق نشطاء المقاومة الفلسطينية للشوارع الرئيسية في الضفة الغربية، التي يستخدمها المستوطنون وممنوعة على الفلسطينيين، ما أربك قوات الاحتلال بشكل كبير.
كما نفذ النشطاء اقتحاماً للمجمع التجاري الاستيطاني “رامي ليفي” قرب مدينة رام الله، في خطوة هي الأولى من نوعها، وتظاهروا بداخله، وقاموا بإلصاق لافتات تطالب بمقاطعة البضائع الاسرائيلية، وتحديداً الاستيطانية منها، قبل أن يغادروا ويغلقوا الشوارع الاستيطانية الرئيسية مرة أخرى.