الحذف اللغوي في كتاب عبد الفتاح الزين
قدم الباحث والاستاذ الجامعي اللبناني الدكتور عبد الفتاح الزين في كتابه الجديد “الحذف اللغوي وعلله التصويتية” دراسة اتسمت بالدقة والتفصيل الضروري واشتملت على اسس نظرية لعمليات الحذف اللغوي وعلى نماذج عن هذا الحذف.
وتحت عنوان (تمهيد) قدم عبد الفتاح الزين الاسس النظرية التي قام عليها الحذف فاتسمت بقدر كبير من الشمول وبذكر امثلة وتفاصيل حيث يقتضي الامر ذلك.
والعمل هو سابع اصدارات زين في مجال الدراسات اللغوية. وقد ورد الكتاب في 161 صفحة كبيرة القطع وصدر عن دار البنان في بيروت.
وفي التمهيد قال الباحث وهو استاذ في الجامعة اللبنانية “والحذف اذ يكون يكون لتسهيل النطق في الكلام وهو احدى ظواهر “الايجاز” ويراد به اداء المقصود باقل قدر ممكن من الالفاظ ولكن من دون الاخلال بالمعنى.
“وهذه الظاهرة لا تقتصر على لغتنا انما تتعداها الى اخواتها العاميات التي انسلتها هي والفصحى من ام واحدة كما تتعداها الى اخواتها الساميات وإلى اللغات التي خرجت من رحم ام ليست امها لانتمائها الى ام ثانية هي الهندية الاوروبية.”
اضاف “ولحذف هذه الظاهرة العامة ينال من الوحدات الصوتية الصغرى في اللفظ الواحد وفي اللفظتين متجاورتين وينال ايضا من الجمل كاملة ومن اشباهها ومن ابعاضها.”
وفي مجال تقديم امثلة قال الباحث “ففي لبنان يقول بعض اللبنانيين “سيكن بالخير”.. يقصدون “مسّيكن بالخير” (اسعد الله مساءكم) بحذف الميم مع فتحتها وبتخفيف السين المثقلة بحذف الساكنة منها. ويقال في لبنان ايضا “وز” (بفتح الواو وتشديد الزاي) و”براهيم” و”مرة” و”ملان”… يريدون إوز (بفتح الواو وتشديد الزاي) و”ابراهيم” و”مرأة” و”ملآن” بحذف الهمزات من هذه الالفاظ.”
“وفي اللغات السامية غير العربية نجد آثارا للحذف تشبه ما نراه في العربية ففي السريانية “بزت” اي “سلبت” وهي مختصر “بزرتا”. وفي الحبشية يختصر ضمير الرفع المتصل للمخاطبات من “كنّا” الى “كا” قبل ضميري النصب “ني” و”نا” وفي فرنسا حذف كثير على ألسنة اهلها.”
وعن المنهج الذي اعتمده الزين قال “لقد احتكمنا في هذه الدراسة الى مبادىء وقوانين اطلقها علماء الاصوات من قدامى ومحدثين وفي طليعتها قانون الجهد الاقل.. والمعلوم ان هذا القانون عام في المجتمعات اللغوية الانسانية كافة فهو ان تحكم بالمتكلم ايا ما كان المجتمع اللغوي الذي ينتمي اليه نحا المتكلم بفعله نحو الخفة متى احس بتعب في آلته الصوتية.
“والتعب هذا قد يحدث متى كانت الاصوات ثقيلة بطبائعها او ثقيلة بتجاورها او ثقيلة بما تحدثه من رتابة سببها تكرار الامثال والمتقاربات في السياق من صوامت فصحانا وصوائتها. وقد يحصل التعب لا لعلة واحدة من هذا الذي ذكرنا انما يكون في بعض الاحيان لعلتين اثنتين مجتمعتين او لغير علة.”
وقال “اما ما حدانا على مثل هذه الدراسة فهو ان الحذف اللغوي لم يخصّ بأبحاث مستقلة شاملة يتناول فيها اصحابها ما نرغب نحن في تفصيل الكلام عليه. فربط الحذف بالتصويت قلما نجد اثرا له في ما تركه القدامى وفي ما ألّفه المعاصرون. ثمة كلام عام على الحذف في ما انتجه هؤلاء المعاصرون فإن ذكروه وضربوا الشواهد عليه فإنهم لم يذهبوا فيه ولا فيها مذهب التفسير والتعليل في ضوء ما نعرفه اليوم من العلوم الحديثة.
“اما المنهجية التي اخترنا في هذه الدراسة والتي تصلح في سبر اغوار العلوم الانسانية بما فيها علم اللغة فقوامها ثالوث: الاستقراء والوصف والتحليل.”
من عناوين الموضوعات التي تناولها الكتاب ما يلي: الحذف لعسر مخارج الاصوات وصفاتها.. حذف الهمزة. حذف الضمة والكسرة. الفصل الثاني حمل عنوان (الحذف لتوالي الامثال والمتقاربات) وفيه حذف المضعّف.. حذف غير المضعف.. حذف لتوالي مقاطع امثال..حذف للادغام.
في الفصل الثالث حديث عن (حذف الصوامت .. حذف الصوائت). عنوان الفصل الرابع (الحذف لالتقاء الساكنين) وفيه حذف النونات وحذف الصوائت الطويلة. عنوان الفصل الخامس (الحذف لطول الكلام) وفيه حذف وحدة صوتية وحذف بعض جملة وحذف جملة. اما الفصل السادس والاخير فعنوانه (الحذف لكثرة الاستعمال) وفيه حذف جملة ويعض جملة. حذف النونات. حذف في الالفاظ.
وفي فصل من الفصول لفت المؤلف الى ما يعرف بالمهمل في الاستعمال وقال “فليس في الاستعمال حركة بعد حركة فالحركة لا يمكن تحريكها اي النطق بعدها في المكان الواحد بحركة مجانسة لها او مختلفة عنها. وثمة جذور لغوية لم تستعمل ولم يشتق منها كما اشتق من الجذور المستعملة… فقد رفض بعامة استعمال جذور اولها وثانيها متحدان في المخرج او متقاربان فيه.
“ففي العربية لم تجتمع (في فاء الفعل وعينه ولامه) الفاء ولا العين واللام همزتين لثقل الهمزة الواحدة… فلهذا لم يأت في الكلمة لفظة فيها همزتان اصلا البتة. وليس فيها جذر ثلاثي اوله ثاء وثانيه ذال لاتحاد هاتين الصوتين في المخرج… وليس فيها جيم تؤلف مع كاف.. وليس فيها حاء مع هاء لان الهاء من اقصى الحلق بل من الحنجرة والحاء ارفع منها قليلا.
“وليس فيها جذر ثلاثي اول اصوله زاي وثانيها ذال لتقارب الصوتين مخرجا… وليس في العربية جذور ثاني اصولها لام وثالثها راء لاتحاد الصوتين هذين في المخرج وليس فيها جذور اول اصولها باء وثانيها فاء لتقارب الصوتين هذين في المخرج. وليس في ابنية الاسماء الثلاثية اسم على وزن “فعل” (بكسر الفاء وضم العين) وذلك لصعوبة الانتقال من موضع الكسر الى موضع الضم.”