سوريا: هل فات قطار الإنقاذ؟
إن الأزمة السورية رمت التفرقة بين العديد من زوار هذا الموقع، ولكن أيضاً بين عديد من الحركات اليسارية (راجع نيكولا دوت-بويار Nicolas Dot-Pouillard, La crise syrienne déchire les gauches arabes). لقد ساد وجهتا نظر: الأولى ترى في الثورة السورية تكملة للثورات العربية وها جذور مماثلة (ديكتاتورية النظام وفساد وتطلعات الشباب للحرية إلخ…)، وجهة النظر الثانية مع عاعترافها بعجز النظام السوري، ترى أن المحرك الأساسي هي مؤامرة تستهدف النظام الذي يتصدى للولايات المتحدة وإسرائيل.
وجهة نظري الشخصية هي أن هذه الثورة لا تختلف كثيراً عن مثيلاتها في تونس ومصر، وأن لا عذر لدى النظام في استعماله للعنف، وأن هذا العنف سرَّع بعسكرة الثورة. ولكن في نفس الوقت على أن أشدد على أن سوريا تظل عاملاً جيوسياسياً مهماً، وأن تدخل قطر والسعودية ليس مدفوعاً بحب لهذه الدول ولا بتعلق بالديموقراطية.
في آب ٢٠١٢ شددت في مقالة بعنوان «ما العمل في سوريا» ((«? Que faire en Syrie »)) على النتائج الكارثية لإطالة النزاع. وقد جاء تقرير «لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا» ((« Independent International Commission of Inquiry on the Syrian Arab Republic established pursuant to United Nations Human Rights Council Resolutions S-17/1, 19/22 and 21/2 » (PDF)) ليسلط أضواء مقلقة على الضوع ويدفعنا للبحث عن مخرج للأزمة السياسية أي البحث عن وقف لإطلاق النار والبدء بالتفاوض.
المسألة لم تعد مسألة معرفة ما إذا كان النظام سوف يظل متماسكاً أم لا، ولكن ما إذا كانت سوريا سوف تظل دولة موحدة أو أنها ستصبح حقل لاقتتال طائفي وإثني.
المبعوث الأمم حذر في ٢٠ كانون الأول/ديسمبر من حصول مجازر تذهب ضحيتها الأقليات خصوصاً الأقلية العلوية ((« U.N. anti-genocide envoy : Syria minorities face reprisal risk »))، كما يمكن قراءة مقالة «سبرينا ميرفان» (Sabrina Mervin) في «لوموند ديبلوماتيك» عدد كانون الثاني ٢٠١٣ تحت عنوان «المصير الغريب للعلويين السوريين» ( le numéro de janvier 2013 « L’étrange destin des alaouites syriens »).
التقرير يؤكد هذا التشاؤم إذ يرى المحققون أن« النزاع في هذا البلد اصبح طائفيا بشكل واضح» وأن«طوائف واقليات باكملها» باتت مهددة ان «مجموعات باكملها تواجه خطر اجبارها على الخروج من البلاد او التعرض للقتل داخل البلاد»، وأن «اوضح الانقسامات الطائفية هي بين الطائفة العلوية التي تتحدر منها معظم الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة في الحكومة، والاغلبية السنية (ولكن ليس بشكل كامل) التي تدعم الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة»، ويضيف أن « الاقليات مثل الارمن والمسيحيين والدروز والفلسطينيين والاكراد والتركمان اقحموا في النزاع»، وأن« هذه الاقليات ادخلت في دوامة الهجمات وعمليات الانتقام لدرجة انها اجبرت على الاختيار بين الفريقين وسمحت لنفسها ان تسلح من قبل الاطراف المتقاتلة» ويذكر بأن «بعض التنسيقيات الشعبية شاركت في القتال في أحياء مثل تضامن وسيدة زينب». وجاء في التقرير أن بعض الشهود ذكروا أن «الحكومة قدمت أسلحة لبعض هذه المجموعات».
ويضيف التقرير «في الأشهر القليلة الماضية حصل تحول بارز في أجوبة من تم استجوابهم حول النزاع» فحين روى أحد المزارعين قصف قرية في منطقة اللاذقية من قبل القوات الحكومية أشار إلى «أن القصف يأتي من القرى العلوية». وقال شاهد آحر من درعا بأن «التوتر بين السنة والشيعة يزداد بقوة وعنف». وقال شاهد تركماني «من الخطر أن يكون جارك مسلحاً ويعتقد أنك من الثوار وأن تظل من دون سلاح».
قال شهود أيضاً إن «القوات الحكومية والميليشيا المؤيدة لها هاجموا مواطنين سنة» وشعد أحدهم بأن «الميليشيا كانت تقود عمليات التفتيش في المنازل» وأن أحدهم قال «سوف نقتل كل السنة في المنطقة أنها هذه المنطقة منطقتنا». وشهد آخر بأنه «كا يتم إخراج المواطنين السنة من السيارات عى نقاط التفتيش على طريق درعا-دمشق ويتم ضربهم بقسوة»/.
كما أن محققي اللجنة حصلوا على معلومات مثبتة وجديرة بالثقة في أن الكتائب المسلحة المناهضة للحكومة «هاجمت المواطنين العلويين ومواطنني من طوائف أخرى» وقد وصف أحد الملتحقين بالجيش السوري الحر بدقة كيف تم أسر عدد من الجنود الحكوميين «فتم احتجاز السنة بينما تمت تصفية العلويين مباشرة».
ويتابع التقرير« إن معظم المقاتلين الغرباء الذين يتسللون إلى سوريا للقتال إلى جانب الثوار أو بمعزل عنهم هم من السنة من الشرق الأوسط زو من أفريقيا الشمالية. وقد دفع التلوين الطائفي للنزاع لاعبين للمشاركة. فقد حزب الله الشيعي بأن منتمين له يحاربون إلى جانب القوات الحكومية». ويضيف التقرير «بأن تقارير غير مؤكدة تشير إلى أن شيعة من العراق جاءوا للقتال في سوريا، بينما أكدت إيران من جهتها في ١٤ أيلول/سبتمبر بأن حراس الثورة يقدمون دعماً واستشارات في سوريا».
أما حول دور السلفيين في الثورة وبعيداً عن الإشاعات والتطبيل الإعلامي يكفي قراءة تقرير لـ«المجموعة الدولية للأزمات» (International Crisis Group) تحت عنوان «محاولة الجهاد: المعارضة السورية السلفية» ( Tentative Jihad : Syria’s Fundamentalist Opposition) الذي صدر في ١٢ تشرين الأول/ أوكتوبر.
لنعد إلى التقرير الأممي الذي يصف تكوين الطوائف في سوريا: «الطائفة المسيحية منتشرة في كافة المناطق السورية لكنها تتواجد بقوة في حلب ودمشق وحمص. في مدينة حمص كان يقيم نحو ٨٠ ألف مسيحي هرب معظمه إلى العاصمة أو إلى بيروت. فقط بعد المئات الذين لا قدرة لهم على الهرب بقوا في حمص» ويضف التقرير «أفادنا شاهد من منطقة السويداء بإن القتال بين الطائفة السنية والطائفة الدرزية قد خلف العديد من القتلى، في حين أن تفجيراً في ٢٩ تشرين الأول/أوكتوبر قد حصل أمام مخبز في جرمانا في دمشق وهو حي تقطنه أكثرية درزية ومسيحية».
ويتطرق التقرير إلى مسألة التهجير واللاجئين فيقول «ذكر شهود بأن المجموعات المناهضة للحكومة لا تميز نفسها عن المدنيين، رغم أن هذا من موجبات القانون الدولي في الحروب، الذي ينص على ضرورة الفصل بين المتحاربين وبين المدنيين، وخصوصاً عندما يكون القتال في مناطق كثيفة السكان. وقد قد هذا لهجرة أعداد كبيرة من المواطنين وزاد من عدد اللاجئين».
وحول الخراب الذي أصاب سوريا يقول التقرير:«إن حرب الاستنزاف الحاصلة في سوريا خربت البلد وجلبت على السكان المدنيين دمارا ومعاناة بشرية هائلين. وبينما يطول أمد الصراع باتت الجهات المتقاتلة أكثر عنفاً واصبح التكهن بتصرفاتها أصعب، ما أدى الى ان يصبح سلوكها ينتهك القوانين الدولية بشكل متزايد».
وينهي التقرير بما يلي :«إن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى وقف العنف هو حل سياسي تفاوضي يجيب على تطلعات الشعب السورية المحقة» وأكد التقرير أن «اللجنة الأممية تدعم بقوة مهمة المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي وجهوده لجلب الأفرقاء لمثل هذا الحل».
يبدو لي أن اللحظة الآن ليست للبحث عن المسؤول لتحميله الملامة (مع اعتقادي الجازم بأن النظام هو المسؤول الأول)، ولكن للبحث عن وسيلة وقف دوامة العنف للمحافظة على سوريا والشعب السوري.»
ومن المؤسف أن الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الفرنسية (le porte-parole du Quai d’Orsay ) تجاهل طلب اللجنة الأممية لحل سياسي تفاوضي ليشدد فقط (في ٢١ كانون الأول/ديسمبر) في تعليقه على التقرير: «إنه يؤكد معاناة الشعب السوري بسبب العناد المجرم لنظام همه الوحيد هو البقاء، هكذا نظام لم تعد له أي شرعية. إن على بشار الأسد أن يترك السلطة بسرعة لحكومة انتقالية تجيب على تطلعات الشعب السوري الشرعية، وتطالب فرنسا إئتلاف المعارضة السورية بالتعهد بأن تحترم المجموعات المقاتلة تحت لواءها القانون الدول. كل المسوؤلين عن جرائم الحرب التي ندد بها التقرير، من دون أي استثناء، سوف يتم سوقهم أمام القضاء».