معمر عطوي
مقاربة جميلة يتحفنا بها صاحب «صانع الألعاب» في باكورته الروائية الصادرة عن دار نوفل في بيروت، بين أمين عام حزب الله حسن نصرالله ولاعب كرة القدم البرازيلي نجم فريق برشلونة رونالدينهو. إذ يحاول أحمد محسن من خلال هذه المقاربة تعرية «ثوابت» قائمة على الانبهار بالشخص القوي أكثر من كونها قناعة راسخة في العقل.
المتابع للزميل محسن في تحقيقاته الصحافية لا يستغرب هذا الإسلوب الجميل الشيّق في معالجة قضايا اجتماعية أصبحت من صلب اختصاصه بعد انتقاله من عالم الاقتصاد الذي ارتاده أكاديمياً إلى عالم الصحافة والأدب الذي توجّه برواية «صانع الألعاب».
المقاربة الجميلة الجريئة بين نصراللة ورونالدينهو والتي عالجها إبن الضاحية من منطلق الفاهم لطبيعة هذا المجتمع وذهنيته الدينية المتماهية مع شعارات سرعان ما تسقط إذا ما اضطرت الى المفاضلة بين شعارين.
هي بيئة في جزء منها شعاراتية وفي جزء آخر باحثة عن بطل أو نجم هو هذا الصانع للألعاب الذي يأتي تارة بلباس رجل دين وأخرى بلباس رياضي وأخرى بصورة مختلفة.
من هنا يحاول محسن في روايته تعرية المستور وتسليط الضوء على نفاق اجتماعي يُمارس بامتياز قد يكون الحد الأدنى منه نموذج الحاجة باسمة التي تتحرش بميرا الفتاة الصغيرة وتمارس معها الجنس المثلي مسببة لها مشكلات نفسية تجعل الأخيرة تنتقم بممارسة الشئ نفسه مع إبنة الحاجة التي كانت بنظر المحيط تلك المرأة الطاهرة النقية التي قد تشكل قدوة للكثيرات من الملتزمات دينياً وفق صور نمطية سائدة.
كذلك هو أبو صالح الذي يزايد على أهل الحي والمنطقة بحبه للمرجعيات الدينية والمستبدين من رجال السياسة على طريقة «كل حزب بما لديهم فرحون». أبو صالح الذي كان يُعتبر أحد نماذج الحالة الدينية السائدة يدخل السجن في نهاية المطاف بتهمة الاحتيال.
الأمر اللافت في سردية محسن أنها مليئة بمعلومات تنم عن عمق ثقافة الكاتب الشاب الذي لم يتجاوز الثلاثين عاماً من العمر. فاستطاع توظيف معلوماته وتفاصيل من قراءاته الكثيرة في سياق درامي قائم على اسقاطات علّ أهمها وأكثرها جرأة اسقاط الذهنية الشعبية في التعاطي مع لاعب كرة قدم عالمي على طريقة التفكير أو التعاطي مع شخصية دينية قد يُعتبر البعض أن انتقادها أو المسّ بها من المحرمات.
واستطاع باسلوبه الساخر والنقدي اللاذع وجرأته أن يتجاوز المُحرمات ويتعاطى مع ظاهرة اجتماعية سائدة بمنطق تحليلي علمنفسي يجعل العقل منهجه لا الشعار، والمنطق إسلوبه لا السطوة السياسية أو العمى الديني والمذهبي.
يقول في إحدى صفحاته «أذكر أنّهم جرّبوني مُدافعاً، فنجحت لإسبوعين، إلاّ أنّي بدأت أشعر بالملل في مركز قلب الدفاع. كنت شرساً على عكس ما تُنبئ به ملامحي، ولكن ابتعادي عن مرمى الخصم كان يوتّرني. المهاجمون بلا رحمة لكنّ المدافعين ضيّقوا الأفق، هم أقرب إلى العشوائية في اللعب. وأخيراً، ثبّتوني في مركز صانع الألعاب. من يلعب في هذا الموقع يلعب في كلّ المواقع، حتى خارج الملعب. يجمع اللاعبين على خطّ واحد كأنّه نور يمشون خلفه. يوزّع الأدوار على الأوركسترا: أنت وظيفتك كذا، وأنت مهمّتك كذا. يهيّج الجماهير ويطيّب خواطرها بحركتين إن لزم الأمر. رأيت ذلك بعينيَّ: المايسترو. رأيته في ملعب الراية. لم تكن ثيابه رياضية، وكان لاعباً بلا رقم».
تلك هي رواية محسن التي تبشّرنا بروائي جديد يحمل مشعل النقد في سياق تحليلي لظاهرة عبادة الشخص والذوبان في حالة تشبه الأفيون حتى لو كانت تصطبغ بهالة المُقدّس.