ملف التونسيين اللاجئين في “بيلفيل”
تحقيق وردة السعدي
تجمع أكثر من 300 مهاجر تونسي، جاؤوا بعد الثورة التونسية، في حديقة “بيل فيل”، في باريس، بحيث تقرر في البداية عدم طردهم، إلا أنهم أصبحوا استهدافاً لعمليات الشرطة الفرنسية.
وتم إيقاف ثمانية من المهاجرين المغاربة قبل يومين في باريس بعد عملية “تنظيف” لشوارع حي “بيلفيل” الشهير بمهاجريه، وذلك بموجب قرار المحافظ الذي نص على نقلهم إلى الحدود.
وقد اعتاد التونسيون منذ سقوط نظام بن علي، الالتقاء في المكان ذاته. كل يوم بين الساعة ١٠ صباحاً إلى غاية منتصف الليل، مع إقفال أبواب آخر مترو الأنفاق. كل ليلة يتكرر المشهد نفسه في تلك الحديقة، التي أورثتها مدينة الأنوار للدائرة العشرين بباريس: متجمعين في أفواج صغيرة، يعبرون الحي فوجاً وراء الآخر، تارة يضحكون، وتارة أخرى حذرين أو حتى قلقين، ويبدو عليهم أنهم من دون عمل. مجيء هؤلاء الشبان كان جراء الثورات العربية، وصلوا إلى باريس بعد رحلة طويلة خطوها من رأس جزيرة “لامبيدوسا” الإيطالية. وتقدر الشرطة عددهم بنحو الـ٣٠٠ مهاجر. في البداية تكفلت بهم الجمعيات الخيرية إلا أنه يبدو، بعد أن انتهت الثورة، أن مصيرهم خاضع لمشيئة القدر وحده.
فتوقيفات الشرطة تتوالى على نغم الأحداث التي تجري بين هؤلاء المهاجرين غير المقيمين وسكان ضفاف دائرة العشرين الباريسية، والأحياء الملاصقة، مثل الدائرة العاشرة والحادية عشرة والتاسعة عشرة.
ومن بين أحداث الشغب التي تم الإبلاغ عنها، سجلت مديرية أمن بالقرب من مدينة باريس العديد من عمليات السرقة والاختلاس، ولكن أيضا الكثير من عمليات العنف، ورغم عدم إمكانية التأكد من أن “التوانسة” وراء هذه الأعمال، إلا أنها تستغيظ السكان، خصوصاً بعد التأجيج الإعلامي حول المهاجرين والأمن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
إلا أن بعض الحوادث حاضرة وبغيضة، مثل الاعتداء على مهاجر بنغلاديشي يبلغ من العمر 36 سنة، الذي وقع، حسب مصادر الشرطة، عند الساعة الثانية والنصف صباحا، في شارع “لافاييت” في وسط باريس، وقد تم القبض على شابين، وهما تونسيان يبلغان من العمر 27 سنة، إلا أنهما رفضا الكشف للمحققين عن هويتهما الحقيقية وتبجحا بصوت عالٍ من أن أسميهما هما: أسامة بن لادن ومعمّر القذافي، قبل أن يتم التعرف على هويتيهما، عن طريق البصمات التي أخذت لهما عند وصولهما الى الحدود الفرنسية، كما قال أحد المقربين من التحقيق لموقع “أخبار بووم”.
ومنذ نهاية الصيف، اندلعت الحوادث مع الشرطة في حي آخر، فقد هاجمت مجموعة من الشبان التونسيين سرية شرطة محلية في نفس حي “بيلفيل”، وهي الشرطة المحلية التي أقامهما وزير الداخلية كلود غيان للبقاء على مقربة من السكان وإجراء دوريات في الليل بين الأحياء.
ويقول أحد رجال الشرطة، تابع للدائرة الحادية عشرة: “حاليا نقوم باستجواب الليبيين”، إذ كانت الشرطة قد أوقفت ليبياً كان أتى من تونس منذ عام، بتهمة الاعتداء على النساء. وقد حضرت خمس ضحايا للتعرف عليه، إلا أنه يبدو وقع إشكال في الهوية، حيث أن المتهم المزعوم كان مسجوناً على ذمة التحقيق في قضية أخرى.
إلا أن كل هذا إن نم على شيء فهو أن الأجواء المحيطة بالمهاجرين باتت تحمل الشكوك والاحتياط أكثر من التودد والرغبة بالمساعدة التي شهدها وصولهم إلى فرنسا. النتيجة هي أن الشرطة قد كثفت من عملياتها وهي بصدد إبعاد الجانحين التونسيين الموقوفين، رغم أن هذا يصطدم بعقبة قضائية يضاف إليها عقبة ديبلوماسية. ويشرح أحد المسؤولين الأمر ويقول: “منذ أسابيع لم يعد بوسعنا إرسال هؤلاء الشباب إلى بلدهم لأن القنصلية ترفض إعطاءهم تأشيرة مرور”.
وحتى الآن لم تجد السلطات الفرنسية حلاً لهذه المعضلة، وتتفق الشرطة مع الجمعيات الإنسانية الناشطة بأن “السجن ليس هو الحل لهؤلاء الشبان الذين كانوا يحلمون ببناء حياة جديدة خارج تونس بن علي”. ويقول أحد رجال الشرطة: “أستطيع القول إنهم يقعون في فخ الجنح بسبب الظروف المادية التي يعيشونها”، مستطرداً: “هؤلاء كانوا يعملون في بلدهم قبل الثورة، يجب تأمين عودتهم قبل أن ينقلبوا كلياً في واد خارج القانون”. ويضيف بأن عدداً من حالات التونسيين الذين قدموا من “لامبيدوسا” تمت معالجتها برفق.
أما أرنولد كلارسفيلد صديق كارلا بروني السابق، الذي عينه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، على رأس المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج، ورغم التناقض الواضح بين مواقفه المبدئية العنصرية وبين مهمته في هذا المركز المهم جداً بالنسبة للمهاجرين، فقد صرح لصحيفة “لوفيغارو” بأن “بضعة آلاف من التونسيين قبلوا مساعدات العودة التي منحتها لهم بسخاء الدولة الفرنسية”، شارحاً بأنهم تلقوا تذكرة عودة وإعانة قيمتها ٣٠٠ يورو.
ويبدو أن اقتراب الانتخابات رمى بملفات الهجرة والمهاجرين و”عراكهم اليومي مع الشرطة والمواطنين” في واجهة الإعلام. ومن المنتظر أن يتكاثر الحديث عن المهاجرين في إعادة لسيناريو عام ٢٠٠٧ في تسليط الأضواء على العنف والمهاجرين والأمن، وهي طروحات ما زال ساركوزي بطلها.