باكستان: رجال الدين يواجهون الحكومة
اعتصم رجل دين يطالب باستقالة الحكومة الباكستانية التي لا تحظى بشعبية ومعه الاف من أنصاره حول مقر البرلمان الاتحادي في إسلام أباد يوم الثلاثاء مهددا بالبقاء في مكانه إلى حين الاستجابة لمطالبه. وفي تطور يغرق البلاد في مزيد من الفوضى السياسية أصدرت المحكمة العليا الباكستانية أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء فيما يتعلق بقضية فساد خاصة بمشاريع للطاقة.
واتهم فواض تشودري وهو مساعد لرئيس الوزراء الباكستاني راجا برويز أشرف الجيش والمحكمة العليا بالعمل معا من أجل اسقاط الحكومة. ونجح رجل الدين الصوفي محمد طاهر القادري الذي يعتقد ان الجيش يدعمه في حشد عشرات الالاف من أنصاره في العاصمة إسلام أباد للمطالبة باستقالة كبار الزعماء السياسيين في الحكومة المدنية واجراء اصلاحات انتخابية لتطهير الحياة السياسية في باكستان ومحاربة الفساد. وقال تشودري لرويترز “الجيش يمكنه الآن التدخل لأن المحكمة العليا فتحت الطريق امامه.”
لكن الائتلاف الحاكم الذي يقوده حزب الشعب الباكستاني لديه اغلبية في البرلمان ويمكن للمشرعين ان ينتخبوا رئيس وزراء جديدا إذا اطيح بأشرف الذي تولى منصبه في يونيو حزيران الماضي خلفا لرضا جيلاني الذي قضت المحكمة العليا بعدم اهليته اثناء مواجهة سابقة بين الحكومة والهيئة القضائية. واكتسب القادري شعبية سريعة منذ عودته من كندا قبل اسابيع داعيا للاصلاحات مما لقي هوى بين كثير من الباكستانيين المحبطين.
ولم يتضح إلى اي مدى يشكل القادري تهديدا فوريا للحكومة المدنية التي تساندها الولايات المتحدة لكن احتشاد المحتجين حول مبنى البرلمان هو أحدث تحد تواجهه حكومة إسلام أباد كما أضعفت دعوته إلى اصلاحات شاملة حزب الشعب الباكستاني الحاكم الذي فشل في التغلب على العديد من المشاكل الصعبة مثل تمرد حركة طالبان وانتشار الفقر.
وقالت الولايات المتحدة -وهي مانح رئيسي للمعونات لباكستان على الرغم من توتر الروابط معها في الاعوام القليلة الماضية- ان الامر متروك للباكستانيين لتسوية خلافاتهم السياسية لكنها أكدت دعمها للحكم الديمقراطي. وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن “إنها مسألة داخلية على الباكستانيين ان يعالجوها مادام انهم يعالجونها بطريقة عادلة وشفافة تحمي الدستور وتحمي سيادة القانون.” واضافت قائلة “نحن نؤيد بقوة حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا في باكستان وسنواصل عمل هذا.”
والقى القادري خطابا من خلف درع مضادة للرصاص من أمام البرلمان امتدح فيه الجيش والقضاء. وقال في كلمته التي استخدم فيها الاردية والانجليزية إن الحكومة “جاءت بنهاية سيئة لقواتنا المسلحة تلك القوات المسلحة التي تتسم بالاخلاص الشديد والكفاءة العالية والقدرة العالية والمهنية العالية.” واستطرد قائلا “حتى هم لا يستطيعون ان يفعلوا شيئا لأن الحكومة السياسية غير قادرة على تحقيق اي شيء من هذه الارض. الاحكام تصدر من جانب القضاء العظيم المستقل لكن الحكومة غير مستعدة لتنفيذها.”
وقال متحدث باسم رجل الدين إن المحتجين سيعتصمون امام البرلمان إلى ان تحل الحكومة المجلس التشريعي ويتم تشكيل حكومة تسيير اعمال. وفي وقت سابق أطلقت قوات الامن الباكستانية النار في الهواء واستخدمت الغاز المسيل للدموع في العاصمة إسلام أباد يوم الثلاثاء في محاولة للسيطرة على الاحتجاجات.
وقال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك للقنوات التلفزيونية المحلية بعد وقت قصير من فتح قوات الامن الباكستانية النار في الهواء واستخدامها القنابل المسيلة للدموع في مسعى للسيطرة على المحتجين المؤيدين لرجل الدين “لن نقبل بضغوط القادري لان مطالبه غير دستورية.” واظهرت لقطات تلفزيونية بثت على الهواء القوات وهي تطلق النار في الهواء بينما كان مؤيدو رجل الدين يرشقونها بالحجارة.
وأبلغ المتحدث باسم القادري رويترز أن الحشود منعت قوات الحكومة من القبض عليه. واضاف ان ستة من مؤيدي القادري اصيبوا بجروح. ويقول القادري ان الانتخابات المقرر اجراؤها في ربيع هذا العام يجب تأجيلها لأجل غير مسمى لحين استئصال الفساد المستشري في باكستان.
وأثارت دعوته انقسامات بين الباكستانيين. ففي حين يراه البعض بطلا إصلاحيا فان اخرين يعتبرونه أداة محتملة في يد الجيش ذي النفوذ والذي له تاريخ من الانقلابات والتدخل في الانتخابات. وقليلون هم الذين يعتقدون ان الجيش الباكستاني لديه الرغبة في انقلاب اخر خصوصا وأن المحكمة العليا تقف بالمرصاد للجنرالات.
لكن محللين يقولون إن الجيش سيكون سعيدا أن يرى شخصيات مثل القادري تسلط الضوء على عيوب الحكومة وقد يلعب دورا خلف الكواليس لدعمه. وينفي الجيش مساندة القادري. ويستطيع القادري حشد الالاف من أعضاء منظمته (منهج القرآن) التي لديها شبكة من المدارس والعيادات الطبية وتنظم عمليات اغاثة لضحايا الكوارث الطبيعية.
وتخشى احزاب سياسية في باكستان من ان يكون الجيش يدعم رجل الدين على امل ان يفجر أزمة تسنح خلالها فرصة للقوات المسلحة للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد قبل الانتخابات المقررة في الربيع. ومن المقرر ان تبدأ الحكومة والمعارضة مفاوضات لتشكيل حكومة انتقالية للاعداد والاشراف على الانتخابات فور حل البرلمان المقرر في مارس. ولم يعلن بعد عن موعد الانتخابات.
وقال ضابط كبير أوضح -أنه يتحدث بصفته الشخصية- ان الجيش لا يريد تكرار الانقلابات العسكرية التي شهدتها باكستان في الماضي لكنه أضاف ان هذه المواجهة يمكن ان تنتهي اذا لعب الجيش دورا “كوسيط.” وأضاف قائلا “يجب ان نلتزم كلما امكن بالدستور والقانون ونحن نتطلع الى التغيير. قائد الجيش أوضح ذلك.”