أول زواج مدني في لبنان
عقد أول زواج مدني في لبنان بين كل من خلود سكرية ونضال درويش وهو الأول من نوعه على الاراضي اللبنانية من دون الاضطرار الى السفر لقبرص او اي دولة اوروبيةأخرى. واعتبر البعض أن هذا الزواج هو سابقة ستواجه الكثير من العقبات من المرجعيات الدينية الاسلامية والمسيحية,، ورفض الاعتراف بها من وزارة الداخلية. واللافت للنظر هو أن حلود سكرية محجبة، وهو ما يعطي معنى إضافي للسابقة.
وجاء في عقد الزواج الذي أعلن عنه ووقعه الزوجان والشهود لاشهار الزواج «نصرح مختارين غير مكرهين, متساوين في القانون وأمامه طبقاً للدستور في مقدمته والتزامه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وخصوصاً في المادة 16 منه, نصرح بأن الرجل منا قد قبل الإمرأة زوجةً له, كما قبلت الإمرأة الرجل زوجاً لها»،
وكان درويش وسكرية وجدا أن الزواج المدني هو الحل الأمثل لتتويج علاقتهما, وكأي ثنائي لبناني يختار هذا الزواج, واذ كان من المفترض أن يقصدا قبرص لعقده, الا أن الصدفة شاءت أن تلتقي خلود إحدى الناشطات في المجتمع المدني وتعرض عليها فكرة أن يكون زواجها باكورة الزواج المدني في لبنان! وهنا بدأت رحلة خلود ونضال.
عن ذلك تقول خلود :”كنت أحضر محاضرة عن فن التصوير, وبانتظار وصول نضال, استوقفني ملصق كتب فيه” خلينا نتعرف على الزواج المدني والعلمانية قبل ما ياخدونا على الطائفية”, “وإذ بإحداهن تتوجه إلي قائلة: العلمانية ليست ضد الدين. فأجبتها:أعرف ذلك, وإذا كُنتُ محجبة فهذا لا يعني أنني ضد العلمانية, واضافت:” لأُثبِت لها ذلك أخبرتها أننا نستعد(نضال وانا) للسفر إلى قبرص لنتزوج مدنياً, عندها كشفت لي عن محاولة لعقد أول زواج مدني في لبنان, فبحثتُ الفكرة مع نضال وأبلغناها موافقتنا شرط السرية التامة لتخوفنا من عدم قبول الأهل هذه الفكرة, عندها التقينا ب¯طلال الحسيني, وهو من وضع دراسة المشروع وبعد جلسات عدة معه ليتأكد من أننا مستعدون لهذه الخطوة, بدأت الاجراءات لعقد قراننا”.
لتوضيح ذلك يقول طلال الحسيني:” قانونياً, هذا الزواج قد تم بناء على قرار60 ل.ر (وهو ترقيم للقرارات التي كان يتخذها المفوض السامي الفرنسي) الذي ينظم الطوائف ويعترف بها, ويعطيها الحقوق وهو في الوقت نفسه يعترف بالافراد, وهو القانون نفسه الذي اعتمدناه في شطب المذهب.”
ما هي قصة القرار 60?
اصدر المندوب السامي الفرنسي الذي كان يدير شؤون الدولة اللبنانية عام 1936 القرار 60 الذي كان يمكن ان يؤسس لدولة مدنية غير طائفية, و نص على وجود 17 طائفة لبنانية, تضاف اليها”الطائفة المدنية” فيصبح بموجب ذلك عدد الطوائف 18 طائفة, ونص القرار على ان من حق من لا يريدون اتباع الزواج الديني ان يعقدوا زواجهم امام المراجع المدنية من دون العودة الى المحاكم الشرعية الدينية, لكن بعد سبع سنوات على صدور هذا القرار التنظيمي للأحوال الشخصية لأتباع الطوائف الدينية كافة في لبنان, قدمت المرجعيات الروحية, المسيحية والاسلامية واليهودية على حد سواء, اعتراضات عليه, واستنادا الى التوزيع الطائفي للسلطات, رضخت الحكومة اللبنانية الاولى في عهد الاستقلال عام 1943, واحالت الى اول مجلس نواب منتخب قانونا عدلت فيه بعض مواد القرار 60 ل.ر, و اشترط القانون الجديد ذكر الطائفة في الهوية اللبنانية, لكن بعد القانون القاضي بشطب الديانة عن الهوية الذي صدر في العام1976 ولم يعمل به الا قبل سنوات قليلة عندما اصدرت الدولة اللبنانية هويات ممغنطة للبنانيين لم تتضمن ذكر الديانة, عادت القوة الى القانون 60 الذي يمكن ان ينهي جدلا عمره عقودا حول اقرار الزواج المدني في لبنان الذي يمثل عدم اقراره واحدة من اكبر العقبات في الحياة السياسة والاجتماعية, اذ بات بمقدور اللبنانيين الذين يريدون عقد قرانهم مدنيا فعل ذلك من دون اللجوء الى قبرص او تركيا او اي دولة اوروبية تعترف بالزواج المدني.
المفارقة ان السلطات اللبنانية لا تعقد الزواج المدني على اراضيها, لكنها تعترف به في حال عقد خارج لبنان, وهذا ما دفع برئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي الذي قاد حملة لاقرار الزواج المدني اثناء توليه الرئاسة بين عامي 1989 و1995 الى القول في احد اجتماعات مجلس الوزراء:” لنخصص غرفة في مطار بيروت لقاض قبرصي يحضر الى لبنان مرتين في الاسبوع ويعقد الزواجات المدنية بدلا من أن يسافر اولادنا الى قبرص ويتكلفوا الكثير من الاموال من اجل الزواج”.
وبعد صعوبات عدة رافقت الاستحصال على الأوراق اللازمة, وقع خلود ونضال عقد زواجهما المدني في 10 نوفمبر الماضي ليكونا أول ثنائي لبناني يفتتح الزواج المدني في لبنان علماً أن الطلب اليوم بيد هيئة الاستشارات في وزارة الداخلية بانتظار اعلانه رسمياً. ورغم أن تطبيق القرار 60ل.ر على الأشخاص غير المنتسبين لطوائف يقدم الحل للزواج المدني, الا ان الامر لا يزال قيد الدراسة في وزارة الداخلية, علما ان اي زواج في لبنان لا يحتاج لتسجيله في الدوائر الرسمية اكثر من ساعة.